فنقول : معنى قولنا الصفات قامت به أنه سبحانه يوصف بها فقط من غير شرط آخر والوصف من حيث هو وصف لا يستدعي الاحتياج والاستغناء ولا التقدم ولا التأخر فإن الوصف بكونه قديما واجبا بذاته من حيث هو وصف لا يستدعي كون القدم والوجوب محتاجا إلى الموصوف ولا كون الموصوف سابقا بالقدم والوجوب بل الاحتياج إنما يتصور في الجواهر والأعراض حيث لم تكن فكانت فاحتاجت إلى موجد لجوازها وتطلق على الأعراض خاصة حيث لم تعقل إلا في محال واحتاجت إلى محل وبالجملة الاحتياج إنما يتحقق فيما يتوقع حصوله فيترقب وجوده ولن يتصور الاحتياج في القدم.
وأما الجواب عن قول الفلاسفة إنه تعالى مستغن على الإطلاق قيل الاستغناء من حيث الذات إنه لا يحتاج إلى مكان ومحل والاستغناء من حيث الصفات أنه لا يحتاج إلى شريك في القدرة والفعل ومعين في العلم والإرادة ووزير في التصرف والتدبير فهو تعالى مستغن على الإطلاق وإنما يستغني بكمال صفاته وصفات جلاله فكيف يقال إنه احتاج إلى ما به استغنى أليس القول بأنه استغنى بوجوبه في وجوده عن موجد ولا يقال إنه لما استغنى عند ذلك كان محتاجا إليه كذلك نقول : إنه استغنى بذاته وصفاته فلا الموصوف محتاج إلى الصفة ولا الصفة احتاجت إلى الموصوف وإنما يتحقق الاحتياج أن لو كانت الصفة على مثال الآلة والأداة والصفات الأزلية يستحيل أن تكون آلة فبطل الإلزام وزال الإيهام.
قالت الفلاسفة القسمة الصحيحة العقلية أن الموجود ينقسم إلى واجب بذاته وإلى ممكن بذاته وواجب بغيره فالواجب بذاته ليس يتصور إلا واحدا من كل وجه لا كثرة فيه بوجه من الوجوه لا كثرة أجزاء عددية ولا كثرة معان عقلية وإلا فيلزم أن يشترك في وجوب الوجود وينفصل كل واحد عن صاحبه بفصل يخصه فحينئذ تتركب ذاته من جنس وفصل ثم تكون الأجزاء مقومات للجملة لا محال والمقوم أقدم من المقوم وما يقوم بالشيء لا يكون واجبا بذاته بل بالمقوم والواجب بذاته لن يتصور إلا واحدا والمعاني التي أثبتموها إما أن تكون واجبة بذاتها فيلزم أن يكون اثنان واجبا الوجود وذلك محال كما قدمناه وإما أن لا تكون واجبة بذاتها بل يكون قوامها بالذات فيلزم ما ذكرناه آنفا.
قيل لهم قسمة الوجود إلى واجب بذاته وإلى واجب بغيره دليل قاطع على نقض إلزامكم فإن الوجود من حيث هو وجود قد عم الواجب والجائز والوجوب من حيث هو وجوب قد خص الواجب فاشتركا في الأعم وافترقا في الأخص وما به عم غير ما