يتعلق نفس ذلك العلم بمعلوماته على النسق الذي حصل أم يتعلق علمه بذاته ويتعلق علم آخر بمعلوماته ويلزم على الأول أن يقال لا يعلم إلا ذاته إذ لا صورة عنده غير ذاته ولا ارتسام لعقله إلا تعقله فإن العقل عندكم مقارنة ماهية لماهية والمقارنة هو ارتسام ماهية بماهية فعلى هذا التفسير لم يقترن بوجوده غير وجوده ولا ارتسم في عقليته غير عقليته وسائر اللوازم كما هي مفارقة لذاته يجب أن يكون معقوليتها مفارقة لمعقولية ذاته ويلزم على القسم الثاني التكثر الصريح فإن عقله لذاته وعقله للعقل الأول إن كانا شيئا واحدا من وجه واحد فيلزم أن تكون ذاته هو العقل الأول والعقل الأول ذاته وإن لم يكن ذلك على وجه واحد فقد تعدد وتكثر وجوه الذات.
ثم نقول إذا كان عقله وعلمه علما فعليا لا انفعاليا وإنما يلزم منه ما يلزم لعلمه بذاته فيجب أن يكون كل معلوم مفعولا له وهو معلوم لعلمه فانظروا أي شيء يلزم من ذلك.
قال ابن سينا إنه تعالى عالم بالأشياء لا من الأشياء بل الأشياء منه ومن علمه.
قيل له : فإذا بطل تقريرك الثاني أن العقل لا معنى له إلا ارتسام ماهية بماهية فهلا قلت العقل رسم ماهية في ماهية أو هلا قسمت الأمر فقلت من العقول ما يرتسم ومن العقول ما يرسم ومنها ما لا يرسم ولا يرتسم فعقله للعقل الأول رسم وليس بارتسام وعقله لذاته ليس برسم ولا ارتسام وعقل العقل والنفس له ارتسام وليس برسم فعقولنا مثلا تصورات وعقول المقارنات تصويرات وتصورات وعقل الباري تعالى لذاته ليس بتصور ولا تصوير وعقله للعقل الأول تصوير لا تصور.
قال ابن سينا : الرب تعالى عالم بالموجودات ولكن علمه بها علم لزومي عن علمه بذاته غير مفصل للصور فإنه يعلم ذاته وإنما يعلم ذاته كما هو عليه وهو أنه مبدأ للموجودات كلها بأسرها فيدخل علمه بالموجودات تحت علمه بذاته من غير أن تترتب للموجودات صورة في ذاته حتى يلزم منه كثرة فإن العلم بلوازم الشيء إذا لم يكن متجها نحو تلك اللوازم قصدا بل حاصلا من العلم بلزومها فلا يكون زائدا على نفس العلم بالملزوم ولا فيه كثرة مترتبة فترتبه حسب ترتيب تلك اللوازم ونحن نجد من أنفسنا مثل هذا العلم بالأشياء الكثيرة من غير أن يتمايز لها صورة في ذاتها وهو إنا إذا سألنا عن مسألة نكون قد علمناها وأتقناها لكنا في تلك الحالة معرضون عنها فمع السؤال عنها نجد من أنفسنا التفاتا إلى جوابها ويقينا لنا بحصول ذلك العلم المشتمل على جميع الجواب من غير أن يكون في ذلك العلم تفصيل لصور الأشياء التي تنتقش في نفوسنا حين أخذنا في الجواب ثم يأتي التفصيل مع الأخذ في الجواب مرتبا وليس