على ثبوت كونه عالما بالمعلومات سوى التجرد عن المادة وعلائقها وليس ذلك حدا أوسط في برهان أن ، ولا في برهان لم.
قال أبو علي بن سينا : البرهان على أن كل مجرد عن المادة فهو عقل بذاته هو بدليل أن كل ماهية مجردة عن المادة فلا مانع لها من حيث ذاتها عن مقارنة ماهية أخرى مجردة فيمكن أن تكون معقولة أي مرتسمة في ماهية أخرى مجردة وارتسامها هو مقارنتها ولا معنى للعقل إلا أنه مقارنة ماهية مجردة لماهية مجردة ولذلك إذا ارتسمت في القوة العاقلة منا ماهية مجردة كان نفس الارتسام فيها هو نفس شعورها بها وإدراكها لها وذلك هو العقل والتعقل إذ لو كان يحتاج إلى هيئة وصورة غير الصورة المرتسمة لكان الكلام في تلك الصورة كالكلام في هذه الصورة ويتسلسل ، وإذا كان نفس تلك المقارنة هو العقل فيلزم منه أن كل ماهية مجردة فلا مانع لها من ذاتها أن تعقل.
قلت : ما زدت في البيان إلا أنك جعلت المقارنة حدا أوسط ولسنا نشك أنك ما عنيت بهذه المقارنة مقارنة الجسم ولا مقارنة الجوهر العرض ولا مقارنة الصورة المادة بل عنيت به كما فسرت التمثيل والارتسام وعنيت بالتمثيل والارتسام التعقل فقد صادرت على المطلوب الأول أقبح المصادرة فكأنك قلت الدليل على كونه عالما أنه لا يمتنع على إنيته وذاته أن يكون مرتسما بصورة أي عالما فبان أنك أدرجت لفظ المقارنة حتى أخفيت الحال ، ثم فسرت المقارنة حتى أبديت الحال زالت المصادرة عنك كل الزوال (١).
وأما استشهادك بالقوة العاقلة منا فإنما ينفعك مع من لا ينازعك في أن العقل هل يعقل بذاته ذاته وإن عقل أفبعقل غير ذاته أم بعقل هو ذاته أما من نازعك في إثبات كونه عقلا وعاقلا أي علما وعالما فلا ينفعه هذا الاستشهاد.
وأما اقتباس كونه عاقلا من كونه معقولا فهو من أمحل المطلوبات وهو كمن قال لا يمتنع عليه أن يعلم فلا يمتنع عليه أن يعلم والعرض في ذاته ممتنع أن يعقل ويعلم عند القوم فكيف يصح القياس وهب أنه يعلم فلم ينبغي أن يعلم ثم أخذ ما يحب مما لا يمتنع من أبعد القياسات وأمحل المحالات فإن سلمنا لكم كونه تعالى عالما بذاته وعلمه بذاته نفس علمه بعلمه فلم قلتم أن علمه بذاته الذي هو نفس العلم فعلمه بمعلوماته هو علمه بذاته ما هو مبدأ ، وهو مبدأ كل موجود ، أفيتعلق علمه بذاته ثم
__________________
(١) انظر : غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ٧٧) ، والملل والنحل للمصنف (٢ / ١٢١ ، ١٤٨) ، ومعارج القدس للغزالي (ص ١٦٦) ، والمواقف (٢ / ٥٣).