كلية وإن تخصصت فبالإضافة إلى زمان ومكان وحال متشخصة فيعقل ذاته ونظام الخير والموجود في الكل منه ونفس مدركة الكل سبب لوجود الكل منه ومبدأ له وإبداع وإيجاب وإيجاد ، فلا يتبع علمه معلوما بل يسبقه ولا يكتسب عنه صفة بل يكسبه ولا يتغير بتغير المعلوم بل يغيره ولا يتعلق بأمر معين من حيث هو معين شخصي حتى لو زال الشخص زال العلم بوجوده وهذا كمن عرف أن القمر إذا اجتمع مع الذنب في برج كذا وكانت الشمس في برج مقابل وقع ثم الكسوف فعلمه هذا قبل وجود الكسوف وبعده وفي حال الكسوف على وجه ليس يتغير بحدوث الكسوف وكذا كل علم كلي ثم الجزئي مندرج تحت الكلي على سبيل التضمن فيصير الكل معلوما له على هذا الطريق فمن قال منهم : إنه لا يعقل إلا ذاته أراد به أنه يعقل كونه مبدأ وعقله ذلك هو الموجب لحصول ما يصدر عنه ومن قال منهم إنه يعقل الكليات دون الجزئيات أراد ما قررناه ومن قال منهم : إنه يعقل الكليات والجزئيات أراد ما عقله مقصودا أي مبدأ وما يصدر عنه إلا أن ذلك على وجه فهذا كلام القوم ونحن نتكلم على ذلك بالاعتراض وبتصفح على كل مسألة منها بالاستعراض.
فنقول أولا : إطلاق لفظ العقل والعاقل غير مصطلح عليه عندنا فنغير لفظ العقل إلى العلم ونطلق لفظ العالم بدل العاقل إذ ورد السمع بكون الباري تعالى عالما ولم يرد بكونه عاقلا فنطالبكم بالدليل على كون الباري تعالى عالما فيما عرفتم ذلك والدليل ما أرشدكم إليه والبرهان لم يقم عليه ، فإن المتكلم يستدل بحصول الإحكام والإتقان في الأفعال على كون الصانع عالما وأنتم ما سلكتم هذه الطريقة ولا استقام ذلك على قاعدتكم فإن العلم عندكم لم يتعلق بالجزئيات أو تعلق على وجه كلي فهو إذا متعلق بالكليات والأحكام إنما يثبت في الجزئيات المحسوسة أما الكليات المعقولة فهي مقدرة في الذهن فما فيه الإحكام ليس بمعلوم على الوجه الذي يقتضيه الإحكام وما هو معلوم فلم يشاهد إحكام فيه فبطل الاستدلال من هذا الطريق.
قالوا : طريقنا في ذلك إنما هو يرى من المادة وعلائقها فغير محتجب عن ذاته لأن الحجاب هو المادة والمقدس عن المادة هو عالم لنفسه بنفسه إذ لا حجاب.
قيل هذه مصادرة على المطلوب الأول فإن معنى قولكم غير محتجب عن ذاته أي هو عالم بذاته والكلام فيه كالكلام في الأول وتقريره إنما هو يرى من المادة فهو عالم فلم قلتم إنما هو يرى عن المادة عالم ونفي المادة كيف يناسب العالمية والعلم هذا كمن نفى التناهي والانقسام والأين والكيف عنه لم يجب من ذلك أن يكون عالما فنفي الجسمية والهيولائية عنه ليس يقتضي أن يكون عالما ولم نجد لعامتكم برهانا