وهذا العذر لا يصح على قاعدة هشام وجهم فإن الإرادة وإن كانت لا تراد فهي بخلاف العلم لأن العلم يعلم فيلزم القول بالتسلسل وهذا الإلزام قد أفحم الكرامية في مسألة محل الحوادث.
وقالت المعتزلة على طريقتهم : الباري تعالى عالم لذاته أزلا بما سيكون ونسبة ذاته أو وجه عالميته إلى المعلوم الذي سيكون كنسبته إلى المعلوم الكائن الموجود والعالم منا بما سيكون عالم على تقدير الوجود وبما هو كائن عالم على تحقيق الوجود فالمعلومات بعلم واحد جائز تقديرا أو تحقيقا وعندهم يجوز تقدير بقاء العلم ويجوز تعلق العلم الواحد بمعلومين ولا استحالة فيه شاهدا أو غائبا ثم أن بعضهم يقول يرجع الاختلاف في الحالتين إلى التعلق لا إلى المتعلق بخلاف ما قال الأشعري إن الاختلاف يرجع إلى المتعلق لا المتعلق والتعلق وقال بعضهم يرجع الاختلاف في الحالتين إلى حالتين.
وقد مال أبو الحسن البصري إلى مذهب هشام بعض الميل حتى قضى بتجدد أحوال الباري تعالى عند تجدد الكائنات مع أنه من نفاة الأحوال غير أنه جعل وجوه التعلقات أحوالا إضافية للذات العالمية وهو في جميع مقالاته ينهج مناهج الفلاسفة ويرد على شيوخه من المعتزلة بتصفح أدلتهم ردا شنيعا.
وقالت الفلاسفة : على طريقهم واجب الوجود ليس يجوز أن يعقل الأشياء من الأشياء وإلا فذاته إما متقومة بما يعقل أو عارض لها أن يعقل وذلك محال بل كما أنه مبدأ كل موجود فيعقل من ذاته ما هو مبدأ له وهو مبدأ للموجودات التامة بأعيانها والموجودات الكائنة الفاسدة بأنواعها وأشخاصها ولا يجوز أن يكون عاقلا لهذه التغيرات مع تغيرها حتى يكون تارة يعقل منها أنها موجودة غير معدومة وتارة يعلمها معدومة غير موجودة ولكل واحد من الأمرين صورة عقلية على حدة ولا واحد من الصورتين يبقى مع الثانية فيكون واجب الوجود متغير الذات بل هو إنما يعقل كل شيء على نحو كلي فعلي لا انفعالي ومع ذلك لا يعزب عنه شيء شخصي (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) وأما كيفية ذلك فلأنه إذا عقل ذاته وعقل أنها مبدأ كل موجود عقل أوائل الموجودات وما يتولد منها ولا شيء من الأشياء يوجد إلا وقد صار معلوما من جهة ما يكون واجبا بسببه فتكون الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد منها الأمور الجزئية فالأول يعلم الأسباب ومطابقتها فيعلم ما يتأدى إليه وما بينها من الأزمنة وما لها من العودات فيكون مدركا للأمور الجزئية من حيث هي كلية أعني من حيث لها صفات وأحوال تستعد بها لأن تكون