حيث هو حادث متجدد متخصص بالوجود دون العدم ووقت دون وقت والإرادتان تشتركان في التجدد فتنتسبان إليها من جهة التجدد والتخصص وهما من هذا الوجه ليسا ضدين فلم تتعلق الإرادة بالضدين ولو قيل تتعلق الإرادة بالإرادتين جميعا من حيث الوقوع والتجدد وبأحد المرادين وهو الواقع منهما في المعلوم وتتعلق بعدم وقوع الآخر فهي إرادة لوقوع أحدهما وكراهة لوقوع الآخر كان ذلك أيضا صوابا قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، أي يريد خلاف العسر كما قال : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) [يونس : ١٨] ، أي بما يعلم خلافه حتى لا يكون النفي داخلا في الإطلاقات (١).
قالت المعتزلة : قد تقرر في العقول أن مريد الخير خير ومريد الشر شرير ومريد العدل عادل ومريد الظلم ظالم فلو كانت الإرادة الأزلية تتعلق بالكائنات كلها لكان الخير والشر مرادا فيكون المريد موصوفا بالخيرية والشرية والعدل والظلم وذلك قبيح في حق القديم سبحانه قال الله تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١].
قالت الأشعرية : هذه المقدمة التي ذكرتموها من المشهورات في عادات الناس لا من الأوليات في قضايا العقول ، وإنما يختص اطرادها في بعض الصور دون البعض إذ لا يقال في سياق ذلك أن مريد الجهل جاهل ومريد العلم عالم ومريد الطاعة مطيع ولا يقال مريد الحركة متحرك ومريد الصلاة مصل ثم يقال في الشاهد مريد العبادة عابد ولا يقال في الغائب مريد العبادة عابد.
ثم السر في ذلك أن الإرادة الحادثة قد تكون ضرورية وقد تكون كسبية والضرورية منها لا توصف بالخيرية والشرية والتكليفية إذ لا تكليف إلا على المكتسب وقد توصف بالخيرية والشرية الجبرية كما يقال الملك يريد الخير طبعا وجبرا والشيطان يريد الشر طبعا وجبرا وأما الإرادات الكسبية فتتوجه على المريد فيها وبها التكليف فيوصف بالظلم والعدل والخير والشر والطاعة والمعصية كما وصف سائر الحركات ثم لم يلزم من ذلك طردها في الغائب فلم يصح الاستدلال.
والسر في ذلك أن الإرادة الأزلية لم تتعلق بالمراد من أفعال العباد من حيث هو مكلف به إما طاعة وإما معصية وإما خيرا وإما شرا بل لا يتعلق به من حيث هو فعل العبد وكسبه على الوجه الذي ينسب إليه فإن إرادة فعل الغير من حيث هو فعله تمن
__________________
(١) انظر : حجج القرآن للرازي (ص ٨٢).