وشهوة وإنما يتعلق به من حيث هو متجدد متخصص بالوجود دون العدم متقدر بقدر دون قدر وهو من هذا الوجه غير موصوف بالخير والشر ، وإن أطلق لفظ الخير على الوجود من حيث هو وجود فذلك إطلاق بمعنى يخالف ما تنازعنا فيه فالباري تعالى مريد الوجود من حيث هو وجود والوجود من حيث هو وجود خير فهو مريد الخير وبيده الخير ، وأما الوجه الذي ينسب إلى العبد هو صفة لفعله بالنسبة إلى قدرته واستطاعته وزمانه ومكانه وتكليفه وهو من هذا الوجه غير مراد للباري تعالى وغير مقدور له ولما تقرر عندنا بالبراهين السابقة أنه تعالى خالق أعمال العباد كما هو خالق الكون كله وإنما هو خالق بالاختيار والإرادة لا بالطبع والذات فكان مريدا مختارا لتجدد الوجود وحدوث الموجود ثم الوجود خير كله من حيث هو وجود فكان مريد الخير وأما الشر فمن حيث هو موجود فقد شارك الخير فهو من ذلك الوجه خير ومراد وعلى هذا لا يتحقق في الوجود شر محض فهو تعالى مريد الوجود ومريد الخير والعبد يريد الخير والشر وعن هذا قال الحكماء : الشر داخل في القضاء والإرادة بالعرض لا بالذات وبالقصد الثاني لا بالقصد الأول فإن الشر عندهم إما عدم وجود أو عدم كمال الوجود وإنما الداخل في القضاء والإرادة بالقصد الأول هو الوجود وكمال الوجود ثم قد يكون الوجود على كمال أول ومتوجه إلى كمال ثان وقد يكون على كمال مطلق كالعقول المفارقة التي هي تامة كاملة بأعيانها في الخير المحض الذي لا شر فيه وما هو على كمال أول أي هو بالقوة على كمال إلى أن يصير الفعل على كمال ثان فيقع من مصادمات أحوال السلوك من المبدأ إلى الكمال أحوال هي شرور ومضار كما تقع أحوال هي سرور ومنافع ، والإرادة الأزلية والعناية الربانية تتعلق بالأمرين والقسمين جميعا ولكن أحد المتعلقين على سبيل التضمن والاستتباع والعرضية ويسمى ذلك مرادا ومقصودا بالقصد الثاني والمتعلق الثاني على سبيل الوضع والأصالة والذاتية فيسمى ذلك مرادا ومقصودا بالقصد الأول هذا كما يعلم أن المقصود الكلي من إنزال المطر من السماء نظام العالم وانتظام الوجود وذلك هو الخير مطلقا ثم إن خرب بذلك بيت عجوز قد أشرف على الانهدام أو ماتت العجوز وقد بلغت إلى شرف الموت كان ذلك شرا بالإضافة لا بالأصالة وبالقصد الثاني لا بالقصد الأول ووجود خير كلي مع شر جزئي أقرب إلى الحكمة من لا وجود له لا يقع الشر الجزئي فإن عدمه مما يورث الفساد في نظام كل الموجودات فهو أكثر شرا وأشد ضرا.
قالت المعتزلة : كل آمر بالشيء فهو مريد له والرب تعالى آمر عباده بالطاعة فهو مريد لها إذ من المستحيل أن يأمر عبده بالطاعة ثم لا يريدها والجمع بين اقتضاء