الطاعة وطلبها بالأمر بها ، وبين كراهية وقوعها جمع بين نقيضين وذلك بمثابة الأمر بالشيء والنهي عنه في حالة واحدة إذ لا فرق بين قول القائل آمرك بكذا وأكره منك فعله وبين قوله آمرك بكذا وأنهاك عنه ، وإذا وقع الاتفاق بأن الله تعالى آمر عباده بالطاعة وجب أن يكون مريدا لها كارها لضدها من المعصية ، وإذا كان الآمر بالشيء مريدا له كان الناهي عن الشيء كارها له.
والذي يحقق ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي من المأمور حصول المأمور به والإرادة تقتضي تخصيص المأمور به بالوجود ومن المحال اقتضاء الحصول لشيء واقتضاء ضد ذلك منه فلو قلنا إن الباري تعالى أمر أبا جهل بالإيمان وأراد منه الكفر أدى ذلك إلى اقتضاء الإيمان منه بحكم الأمر واقتضاء الكفر منه بحكم الإرادة وهو محال ويخرج على هذه القاعدة استروا حكما إلى العلم فإنه يجوز أن يأمر بخلاف المعلوم لأن العلم ليس فيه اقتضاء وطلب وإنما هو يتعلق بالمعلوم على ما هو به بخلاف الإرادة فإنها مقتضية فيرد الأمر على خلاف العلم ولا يرد على خلاف الإرادة.
قالت الأشعرية : لسنا نسلم أن كل آمر بالشيء مريد حصوله بل كل آمر بالشيء عالم بحصوله مريد له حصولا وكل آمر يعلم حصول ضده لا يكون مريدا لحصوله ، فإن الإرادة على خلاف العلم تعطيل لحكم الإرادة وتغيير لأخص وصفها ، وقد بينا أن أخص وصفها التخصيص ، وحكمها إنما يتعلق بالمتجدد من المقدورات والمتخصص من المقدورات فإذا علم الآمر أن المأمور به لا يحصل قط ولا يتجدد ولا يتخصص قط فيستحيل أن يريده فإنها توجد ولا متعلق لها يتعلق ولا أثر لتعلقها وذلك محال ولو كانت الإرادة خاصيتها أن تتعلق بالممكن فقط كالقدرة لكان جائزا أن تتعلق بخلاف المعلوم.
ومن العجب : أن متعلق القدرة أعم من متعلق الإرادة ، فإن الجائز الممكن من حيث هو ممكن متعلق القدرة والمتجدد من جملة الممكنات هو متعلق الإرادة والمتجدد أخص من الممكن.
ثم قال بعض المخالفين إن خلاف المعلوم غير مقدور وهو أعم فخلاف المعلوم كيف يكون مرادا وهو أخص ، ثم نقول من رأيي الآمر بالشيء لا يكون مريدا لمأمور به من حيث إنه مأمور به قط سواء كان المأمور به طاعة أو غيره ، وقد علم الأمر حصولها ، وسواء كان الآمر بخلاف ذلك فإن جهة المأمور به هو كسب المأمور وقد بينا أن ذلك أخص وصف للفعل سمي به المرء عابدا مطيعا مصليا وصائما مزكيا حاجا غازيا مجاهدا والفعل من هذا الوجه لا ينسب إلى الباري تعالى فلا يكون مريدا له من هذا الوجه بل ينسب إليه من حيث التجدد والتخصيص وما لم يكن الفعل فعلا