للمريد لا يكون مرادا له فما كان من جهة العبد من الذي سميناه كسبا ، ووقع على وفق العلم والأمر كان مرادا ومرضيا أعني مرادا بالتجدد والتخصيص مرضيا بالثناء والثواب والجزاء وما وقع على وفق العلم وخلاف الأمر كان مرادا غير مرضي أعني مرادا بالتجدد غير مرضي بالذم والعقاب وهذا هو سر هذه المسألة ومن اطلع عليها استهان بتهويلات القدرية وتمويهات الجبرية فعلى هذا لم يكن الباري تعالى مريدا للشرور والمعاصي والقبائح من حيث إنها شرور ومعاصي وقبائح ولا هو مريد للخيرات والطاعات والمحاسن من حيث إنها كذلك بل هو مريد لكل ما تجدد وحدث في العالم من حيث إنها متخصصة بالوجود دون العدم ومتقدرة بأقدار دون أقدار ومتأقتة بأوقات دون أوقات ثم ذلك الموجود قد يقع منتسبا إلى استطاعة العبد كسبا على وفق الأمر فسمي طاعة مرضية أي مقبولة بالثناء ناجزا والثواب أجلا وقد يقع على خلاف الأمر فيسمي معصية غير مرضية أي مردود بالذم ناجزا وبالعقاب أجلا ولو لا قدرة العبد في الشيء لكان الفعل فعلا متجددا مختصا بما خصصته الإرادة من غير أن يقال هو خير أو شر إيمان أو كفر فالأفعال كلها من حيث تجددها واختصاصها مرادة للباري تعالى وهي متوجهة إلى نظام في الوجود وصلاح العالم وذلك هو الخير المحض وكانت وجوهها إلى الخير وظهورها من الخير وكان بيده الخير ، وكل ما ورد في القرآن من إرادة الخير المخصوص بأفعال العباد مثل قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، ولكن يريد ليظهركم إلى غير ذلك فهو محمول على أحد معنيين إما ثناء ومدح في الحال ، وإما على ثواب ونعمة في المال ، وإلا فالإرادة الأزلية لا تتعلق إلا بما هو متجدد من حيث أنه متجدد فلا متجدد إلا وهو فعل للباري تعالى من حيث أنه متجدد وذلك لا ينسب إلى العبد كما بينا في خلق الأعمال ، فاختصت الإرادة بأفعال الله سبحانه على الحقيقة دون الوجوه التي تنسب إلى العبد واختص الأمر بأفعال العباد حقيقة دون الوجوه التي تنسب إلى الحق تعالى فلم يجب تلازم الأمر والإرادة ، وقد يرد الأمر بمعنى الإرادة والإرادة بمعنى الأمر فيكون الإطلاق باشتراك في اللفظ فكأن المشركين تمسكوا بهذا اللفظ حيث أخبر التنزيل عنهم (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٤٨] ، أرادوا بذلك المشيئة بمعنى الأمر ، وعن هذا طالبهم بإخراج العلم بذلك وإظهار الحجة عليهم من كتبهم ، وقال :