بالمعاصي قط من حيث إنها معاص كما لا تتعلق قدرته تعالى بأفعال العباد من حيث هي أكسابهم ، فيرتفع النزاع ويندفع التشنيع وخرج ما قدرناه من التحقيق وإن شئت حملت كل آية على معنى يشعر به اللفظ ويدل عليه الفحوى.
أما قوله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يرضاه لهم دينا وشرعا فإنه وخيم العاقبة كثير المضرة كمن يشتري عبدا معيبا فيقول له لا أرضاه هذا لك عبدا ومما يتقوى به هذا المعنى أن الرضى والسخط يتقابلان تقابل التضاد ثم السخط لم يكن محمولا إلا على ذم في الحال وعقاب في المال كذلك الرضى محمول على الثناء في الحال وثواب في المال.
وأما قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٧] ، وسائر الآيات في الإرادة محمولة على كلمة ذكرها الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنه أن الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا ، فما أراده بنا أظهره لنا ، وما أراده منا طواه عنا ، فما بالنا نشتغل بما أراده منا عما أراده بنا ، ومعنى ذلك أنه أراد بنا ما أمرنا به ، وأراد منا ما علمه فكانت الإرادة واحدة يختلف حكمها باختلاف وجه تعلقها بالمراد ، وهي إذا تعلقت بثواب سميت رضى ومحبة ، وإذا تعلقت بعقاب سميت سخطا وغضبا ، وكذلك إذا تعلقت بالمراد على وجه تعلق العلم به قبل أراد منه ما علم وإذا تعلقت بالمراد على وجه تعلق الأمر قيل أراد به ما أمر وإذا تعلقت بالصنع مطلقا بالتخصيص والتعيين من غير التفات إلى كسب العبد حتى يكون أراد منه وأراده به قيل أراد الكائنات بأسرها ولم يقل أراد منها وأراد بها بل أرادها على ما هي عليه من التجدد والتخصيص بالوجود دون العدم فإذا أفعال العباد من حيث إنها أفعالهم إما أن يقال تتعلق الإرادة بها لا على الوجه الذي ينسب إلى العباد بل على الوجه الذي انتسب إلى الخلق إيجادا وتخصيصا وإما أن يقال تعلقت الإرادة بها على الوجهين المذكورين إنه أراد بنا وأراد منا وأراد بنا دينا وشرعا واعتقادا ومذهبا وأراد منا ما علم سابقة وعاقبة وفاتحة وخاتمة ودل على صحة هذا المعنى قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣] ، أي لما لم يشأ الهداية لحق القول على مقتضى العلم السابق.
وقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] ، أي لأمرهم بالعبادة وقيل ليخضعوا ويستسلموا كما قال : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي