نسامحهم هاهنا حتى يتضح الحق من السقيم ، ثم نعطي كل قسم حقه.
فنقول : لو لا مطابقة الألفاظ اللسانية معانيها النفسانية لم يكن كلاما أصلا بل لو لا سبق تلك المعاني في النفس على العبارات في اللسان لم يمكن أن يعبر عنها ولا أن يدل عليها ويوصل إليها وهذا في حقنا ظاهر فما قولكم في حق الباري سبحانه أفيخلق حروفا وكلمات في محل ولا دلالة لها على معان وحقائق أم لها دلالة ، فإن كان الأول فهو من أمحل المحال وإن كان الثاني حقا ، فما مدلول تلك العبارات وأين ذلك المدلول ولا جائز أن يقال مدلولها علم الباري تعالى وعالميته فإن العلم لا اقتضاء فيه والمدلول هاهنا يجب أن يكون اقتضاء وطلبا والعلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به وخلاف المعلوم لا يقتضيه العلم وقد يكون من القول ما يقتضي خلاف المعلوم والعلم من حيث هو علم يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل والاقتضاء والطلب لا يتعلق بالواجب والمستحيل وكذلك الإرادة لا تصلح أن تكون مدلولة لها فإن الإرادة وإن تخيل فيها اقتضاء وطلب فلا يتخيل فيها خبر واستخبار ووعد ووعيد وقد تحقق في العبارات هذا المعنى وكذلك القدرة لا تصلح أن تكون مدلولة لها فإنها بخاصيتها بعيدة عن الاقتضاء والطلب أعني طلب الفعل من الغير فلا بد إذا من مدلول قطعا ويقينا وإلا خلت العبارات عن المعاني وطاحت في أدراج الأماني كسير السواني وذلك المدلول يجب أن يختص بالقائل اختصاص وصف وصفة حتى تستقيم الدلالة وتتضح الأمارة ثم ذلك المدلول أهو واحد وحدة الموصوف أو كثير كثرة العبارات أو هو قديم قدم الموصوف أو محدث حدوث العبارات فذلك محل الاشتباه في الموضعين ومجال النظر في الطرفين وملتطم الأمواج عند التقاء البحرين.