الحسن جواز الرؤية في جميع الموجودات على الإطلاق خصوصا إذا قال الرؤية علم مخصوص فالعلم كما يتعلق بهذه الموجودات كذلك الرؤية ولا فرق إلا أن العلم المطلق يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل وهذا العلم لا يتعلق إلا بالموجود فقط فإنه يقتضي تعيين المرئي والتعيين لا يتحقق في العدم وإن سلكنا طريقة العلم فهو أسهل فإن العلم من حيث هو علم نوع واحد وحقيقة واحدة وإذا جوز تعلق العلم به فقد جوز تعلق الرؤية به.
وقد سلك الأستاذ أبو إسحاق طريقة قريبة من هذه فقال : الرؤية معنى لا تؤثر في المرئي ولا تتأثر منه فإن حكمه حكم العلم بخلاف سائر الحواس فإنها تؤثر وتتأثر وإنما يلزم الاستحالة فيه أن لو تأثرت الرؤية من المرئي أو تأثر المرئي من الرؤية وكل ما هذا سبيله فهو جائز التعلق بالقديم والحادث وكل مؤثر ومتأثر فهو مستحيل عندنا كما هو مستحيل عندكم ولا كلفة في هذه الطريقة إلا إثبات معنى في البصر لا يؤثر ولا يتأثر وقد أثبتنا من قبل أن الإدراك البصري لا يستدعي اتصال شعاع بالمرئي ولا انفصال شيء من الرائي وإذا بطل الوجهان انتفى التأثير والتأثر وصار المعنى كالعلم أو هو من جنس العلم وقد تقرر الاتفاق على جواز تعلق العلم به وهذا نهاية ما قيل في إثبات الجواز من جهة العقل.
قال المعتزلة : قد طلبتم للرؤية علة مصححة وتعين لكم الوجود فما أنكرتم أن جواز الرؤية من الأحكام التي لا تعلل فإن من الأحكام ما يعلل كالعالمية والقادرية ومنها ما لا يعلل كالتحيز وقبول العرض وجميع الصفات النفسية أليس تعلق العلم بالمعلومات لا يستدعي مصححا إذ تعلق بالواجب والجائز والمستحيل ولم توجد قضية هي أعم من الأقسام الثلاثة حتى تكون تلك القضية هي المصححة لتعلق العلم بها وكونها معلومة هي نفس تعلق العلم بها فتكون العلة والمعلول واحدا وإذا قررتم أن الرؤية إما علم مخصوص أو معنى في حكم العلم ثم لم تطلبوا مصححا للعلم فلم طلبتم مصححا للرؤية فقولوا تعلقت الرؤية بما تعلق به العلم أو لا علة ولا مصحح.
واعتراض ثان : أن تقسيم الحال إلى قضية الاشتراك والافتراق إنما يصح على مذهب مثبتي الحال وأنتم معاشر الأشعرية قد نفيتم الحال ورددتم قضايا الخصوص والعموم والافتراق والاشتراك إلى محض العبارات فكيف صرتم إلى إلزام أحكام الحال حتى أبطلتم قضية الافتراق وعينتم قضية الاشتراك ، ثم حصرتم ذلك في قضية واحدة وهو الوجود على أن الموجودات إنما تختلف بوجودها عندكم والوجود في الجوهر هو نفس الجوهر وكما يتمايز الجوهر والعرض بالجوهرية والعرضية تمايزا في الوجود وكما تمايز القديم والحادث