معجزة للناس كما صارت حركات الناس معجزة لمن دونهم من الحيوانات ، ويكون مستتبعا جميع نوع الإنسان ، كما صار الإنسان مستسخرا جميع أنواع الحيوان (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) [الحج : ٧٥] ، (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥] ، ونعيد ما أبديناه آنفا.
فنقول : أنتم معاشر الصابئة والبراهمة المعولون على مجرد العقول وقضاياها وافقتمونا ولم يحتج بالموافقة بل قام الدليل الواضح على أن لله تعالى تصرفا في عباده بالتكليف والأمر على حركاتهم بالأحكام والحدود ، ومن القضايا العقلية أن نوع الإنسان يحتاج إلى اجتماع على نظام وصلاح وأن ذلك الاجتماع لن يتحقق إلا بتعاون وتمانع وأن ذلك التعاون والتمانع لن يتصور إلا بحدود وأحكام ، وأن تلك الحدود والأحكام تجب أن تكون موافقة لحدود الله وأحكامه ، وأن كل من دب ودرج ليس يتلقى من الله حدوده وأحكامه ولا له أن يضع من عند نفسه حدودا وأحكاما فلزم العقل ضرورة أن يكون بين الناس شرع يفرضه شارع يتلقى من الله وحيا وينزله تنزيلا على عباده وهذه قضايا عقلية بيننا وبينكم ، وإنما حقيقة القول آئل إلى تعيين الشارع.
فنقول : لن يتحتم على الله تعالى تعريف صدق من اصطفاه لرسالته وتعيين شخص من اجتباه لشريعته فإنه يؤدي إلى التعجيز وإلى تكليف ما لا يطاق ، وهو كما لو كلف عباده بمعرفته ، ثم يطمس عليهم وجوه أدلته وإذ لا طريق إلى التصديق إلا بالقول والفعل ولا طريق إلى ذلك بالقول تعين الفعل ولربما يعرف الملائكة بالقول ويعرف الناس بالفعل ولربما يعرف النوعين بهما جميعا أعني تعريفهما بفعل نازل منزلة القول أو بقول دال دلالة الفعل وليس ذلك تعريف إيجابا عليه تعالى وتقدس بل وجوبا له حتى لا يؤدي إلى التعجيز في نصب الأدلة ، وحتى لا يفضي إلى التكذيب في خبر الاستخلاف وحتى لا يكون على الله حجة بعد الرسل بتكليف ما لا يطاق فيقال : (رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) [طه : ١٣٤] ، وإذا أرسلت فهلا بينت لنا طريقا ودليلا يتوصل به إلى صدقه ويتوصل بتصديقه إلى معرفتك وطاعتك.
وقولكم : إن الرسول يحيل نزول الآية إلى مشيئة الله تعالى قلنا تلك الحوالة من أدل الأدلة على صدق المقالة إذ لو ادعى الاستقلال بإظهار الآيات ما كان مخبرا عن الله تعالى بأمره ولا داعيا إلى الله بإذنه فهو في كل حال من الأحوال يثبت حق موكله ويظهر العجز من نفسه ويحيل الحول والقوة إلى مرسله وكان الفصل الذاتي لنفس النبي