من نفسه عجزا مع استمرار عادته بمثل ذلك التحدي فيقول النبي : (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الأعراف : ١٥٨] ، وآية صدقي أن لا يعارضني معارض في نفس دعواي هذه والنفوس متطلعة والألسن سليمة والدواعي باعثة فتتحير العقول وتنحصر الألسن وتتراجع الدواعي وتنمحق الدعاوي لست أقول لا ينكره منكر بل أقول لا يعارضه معارض بمثل التحدي والدعوى فيقول لا بل إني رسول الله إليكم ولهذا لم نجد في قصص الأنبياء من عارضهم بمثل دعواهم في حال التحدي ولا استمرت هذه الدعوى لأحد من بعدهم ، ولا يلتفت إلى ما يحكى عن مسيلمة الكذاب أنه ادعى الرسالة عن الله تعالى ، فإن من كتب إلى نبي الله أما بعد : فإن الأرض بيني وبينك نصفين لم يكن معارضا له في نفس دعواه ، بل مسلما له من وجه ومتحكما من وجه ، ومن ادعى الرحمانية في الحالة الثانية لم يكن ثابت القدم على الدعوى الأولى ، وكان من حقه لو كان منازعا له أن يقول : إني عبد الله ونبيه لا شريك الله في الرحمانية وشريك رسوله في الأرض فاعرف هذه الدقيقة فإن فيها سرا وغورا.
ثم الجواب عن شبهات المنكرين أن نقول : قولكم إن اقتران المعجزة بدعوى المدعي لا ينتهض دليلا على صدقه ، فإن نفس الاقتران بالإضافة إلى دعواه أو إلى غيرها من الأفعال أو الأقوال بمثابة واحدة.
فنقول : سبيل تعريف الله تعالى عباده صدق الرسل بالآيات الخارقة للعادة كسبيل تعريفه إياهم إلهيته بالآيات الدالة عليها ، والتعريف قد يكون بالقول تارة وقد يكون بالفعل أخرى والتعريف بالقول قد يكون إخبارا عن صدقه كقوله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، وقد يكون تنبيها على صدقه بتعجيز الخلق عن معارضته كما علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وكما علم المصطفى صلىاللهعليهوسلم القرآن وقال : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ، فكما عجزت الملائكة عن معارضة آدم بالأسماء عجزت العرب والعجم عن معارضة المصطفى بآيات القرآن ، ودلت الأسماء والآيات على صدق النبي الأول والنبي الآخر ، ولما ثبت صدق الأول كان مبشرا بمن بعده إلى الآخر ، ولما ثبت صدق الآخر كان هو مصدقا لمن قبله إلى الأول فكانت الأقوال متواصلة والعلوم متواترة والكلمات متفقة والدعوات متحدة والكتب والصحف متصادقة والسيوف على رقاب المنكرين قائمة ، ومن اصطفاه الله عزوجل لرسالته من عباده واجتباه لدعوته كساه ثوب جمال في ألفاظه وأخلاقه وأحواله ما يعجز الخلائق عن معارضته بشيء من ذلك ، فيصير جميع حركاته