ذلك من قبلهم (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١] ، كما قرر احتياجهم إلى الخالق في وجودهم قرر احتياجهم إلى رازق في بقائهم (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) [البقرة : ٢٢] ، الآية ثم قرر بعد ذلك نبوته (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ، الآية بمعناها دالة على التوحيد وبظاهر لفظها البليغ ونظمها الأنيق دالة على صدق دعواه وتحديه ولربما يبتدئ بدعوى الرسالة ثم يضمنها حقائق التوحيد (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) [الأعراف : ١٥٨] ، الآية حتى كانت الآية بعذوبة ألفاظها ورطوبة عباراتها الخارجة عن نظم الشعراء ونثر الفصحاء الخارقة لعاداتهم الجارية وعباراتهم الفائقة أوضح دلالة على رسالته وصدق لهجته وكانت معانيها الحقيقية وحقائقها المعنوية دالة على التوحيد واقترنت الدلالتان اقترانا لا يمكن للمستمع الاستمهال وليس ذلك أمرا بالتقليد ، فإن التقليد قبول قول الغير من غير حجة ، وفيها تقرر حجتان مفحمتان ، وإنما لم يلزم تكليف ما لا يطاق إذا لم يكن المستمع متمكنا من الاستماع والنظر والتدبر في كل ما يستمعه ويعقله حتى لو أنكره ظهر عناده وبطل استرشاده ، هذا هو طريق الدعوة النبوية والحجة العقلية لا كما زعمت المعتزلة أن المستمع إذا استمهل وجب على النبي إمهاله فيلزمهم أن لا تثبت لنبي ما رسالة ولا يستمر لرسول ما دعوة فإن كل عاقل إذا استمهل وأمهل تعطلت النبوة في الحال وصار منتظرا مدة الإمهال حتى يعود إليه الدعوة وإن يلزم العود إليه وبعد لم تثبت عنده نبوته بل يعود جبريل عليهالسلام ويقول : (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢] ، فيقوم إلى المستجيب فيقول أنت أمهلتني وأنا بعد في مهلة النظر والنظر طريق المعرفة فتريد تصدني عن الطريق فأنت قبل معرفتي من أنت؟ مضل ضال قاطع للطريق فيتخاصمان ويقتتلان ويئول الإلزام إلى النبي قولا وفعلا فيلزم المعتزلة القول بأن أول واجب على العاقل قتال النبي عليهالسلام وقتله وهذا مما لا محيص لهم عنه.
وأما الجواب عن ردهم الخوارق إلى الخواص والتنجيم وعلم السحر والطلسمات قلنا : لا ينكر العاقل حصول العجائب من الخواص والعزائم لكن أمثال هذه الغرائب ليست تخلو قط عن حيل كسبية تنضاف إليها من مباشرة فعل وجمع الشيء إلى شيء واختيار وقت وتعزيم قول وإعداد آلة واستعداد مادة ، وبالجملة من