يَعْلَمْ) [العلق : ٣ ـ ٥] ، فالحكمة في اقرأ واقرأ أولا وثانيا وربك الأكرم أبلغ لفظا ومعنى من اقرأ باسم ربك ثم عمم التعلم ثم خصص الإنسان كما عمم الخلق ثم خصص الإنسان وكيف اجتمعت الفصاحة في ألفاظ بأسفار وجوه المعاني وكيف اقترنت بهذه الجزالة على قلة حروفها وخفة كلماتها من غير إخلال في الدلالة وكيف انتظمت بأشرف تركيب من حيث اللفظ وأوضح ترتيب من حيث المعنى وكيف لاحت فيها البلاغة برطوبة الألفاظ ومتانة المعاني حتى كأنها جمعت علم الأولين والآخرين من تقرير العموم والخصوص وتقدم الأمر على الخلق وإضافة الهداية والخلق إليه (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٥٤] ، فتبين من هذه القرائن أن القرآن بجملته معجز وذلك في حق من لا يعرف دقائق البلاغة وحقائق المعاني وبعشر سور منه معجز في حق قوم وبسورة واحدة معجز في حق قوم وبآية واحدة معجز في حق قوم وتتقدر مقادير الإعجاز على قدر الدراية والتحقيق.
ومن العجب أن المعتزلة قالوا بوجوب النظر قبل ورود الشرع وبنوا ذلك على أن العاقل المفكر لا يخلو عن خاطرين يطريان على قلبه أحدهما يدعوه إلى النظر حتى يعرف الصانع فيشكر فيثاب على شكره والثاني يمنعه عن ذلك فيختار بعقله أحق الطريقين بالأمن ويرفض أحقهما بالخوف فيقال لهم إذا تحدى النبي بالرسالة وأخبر أنه رسول الله كان خبره محتملا للصدق والكذب فهلا طرأ الخاطران في تصديقه وتكذيبه ثم يحصل الخبر بالصدق أولى فإن فيه الأمن إذ لو كان صادقا فكذبه خسر ولو كان كاذبا فصدقه لم يخسر فإنه إن يكن كاذبا فعليه كذبه وفي طلب المعجزة منه خطر آخر وهو جعل الخبر أولى بالكذب فكأنه يكذبه في الحال إلى أن تظهر المعجزة فيصدقه في ثاني الحال وعند المعتزلة القرآن من جنس كلام العرب فإنهم يقدرون على مثله قدرتهم على كلامهم فلم يستمر لهم التمسك بإعجاز القرآن.
قال أهل الزيغ : إذا قال النبي إني رسول الله إليكم وإنه أنزل علي كتابا أقرأه عليكم فما المعني بالرسالة عن الله تعالى وما معنى قوله إني نبي الله أفترجع الرسالة والنبوة إلى صفة قائمة بذاته بها يستحق أن يخاطب الناس بالأوامر والنواهي عن الله تعالى أم ترجع إلى إخبار الله تعالى إنه رسولي فإن كان الأول فما حقيقة تلك الصفة وإن كان الثاني فكيف يتصور أن يكلم الله بشرا فإن الذي يسمعه البشر من الكلام حروف وأصوات وعندكم كلامه ليس بحرف ولا صوت وإن كان وحيا من الله تعالى فما معنى الوحي وكيف يتصور أن ينزل ملك على صورة البشر فإن كان الملك