الأشرف فالأشرف حتى بلغ إلى الأخس وهو الهيولي ثم ابتدأ من الأخس فالأخس حتى بلغ الأشرف فالأشرف وهو النفس الناطقة الإنسانية (١).
فيقال لهم هذه الموجودات السفلية على هيئتها وأشكالها من أنواعها وأصنافها التي تراها أوجدت دفعة واحدة أم على ترتيب فإن وجدت دفعة واحدة بطل الترتيب الذي أوجده في وجود الموجودات وإن حصلت على ترتيب شيئا بعد شيء فأنى تحقق سبق ذاتي وتأخر ذاتي بين المعلول الأول والمعلول الأخير.
ونقول : ما نسبة المعلول الأخير إلى المعلول الأول من حيث الزمان وهما وإن كانا في ذواتهما غير زمانين إلا أن النفس الإنسانية حدثت حدوثا لم تكن قبل ذلك موجودة فتحقق لها أول فما نسبة أولية النفس إلى العقل الأول فإن كان بينهما نفوس غير متناهية حدثت في أزمنة غير متناهية كان غير المتناهي محصورا بين حاصرين وذلك محال وإن كانت متناهية فبطل قولهم إن الحوادث لا تتناهى إذ لو كانت الحركات السماوية غير متناهية كانت الموجودات السفلية غير متناهية أيضا ، وحصل من نفس بيان المذهب بطلانه ثم هم منازعون في الترتيب الذي ذكروه فإن أصحابهم قد اختلفوا في المبادئ اختلافا ظاهرا فمنهم من قال أول الموجودات هو العنصر ثم العقل ثم النفس ثم الجسم ومنهم من قال العقل ثم النفس ثم الهيولي ثم الأفلاك ثم العناصر ثم المركبات كما سيأتي بيان ذلك.
شبهة من شبه برقلس ، قال : الباري سبحانه جواد بذاته وعلة وجود العالم جوده وجوده قديم لم يزل فيلزم أن يكون وجود العالم قديما لم يزل قال ولا يجوز أن يكون مرة جوادا ومرة غير جواد فإنه يوجب التغير في ذاته قال ولا مانع من فيض وجوده إذ لو كان مانع لما كان من ذاته إذ المانع الذاتي مانع أبدا وقد تحقق الجود بإيجاد الموجود فهو خلف ولو كان المانع من غيره كان الغير هو الحامل لواجب الوجود وواجب الوجود لا يحمل على شيء ولا يمنع من شيء.
شبهة أخرى تقارب هذه الشبهة قال ليس يخلو الصانع من أن يكون لم يزل صانعا بالفعل أو لم يزل صانعا بالقوة فإن كان الأول فالمصنوع معلول لم يزل وإن كان الثاني فما بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج ومخرج الشيء من القوة إلى الفعل غير ذات الشيء فيجب أن تتغير ذات الصانع لمغير وذلك باطل.
شبهة أخرى قال : كل علة لا يجوز عليها التحرك والاستحالة فإنما تكون علة
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للمصنف (٢ / ١٩٩).