وعن ورعه وإخلاصه وتحريه الدقة في كل شيء ما قيل عنه أنه كان يتوضأ يوما وكان يشك في غسل وجهه ، ويكرر حتى غسله عدة مرات ، فوصل إليه بعض العوام ، وقال له يا شيخ ، أما تستحي! تغسل وجهك كذا وكذا نوبة ، وقد قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : «من زاد على الثلاث فقد أسرف»؟ فقال له الشيخ : لو صح لي الثلاث ما زدت عليها.
فمضى الرجل وخلّاه ، فقال له واحد : ما ذا قلت لذلك الشيخ الذي كان يتوضأ؟ فقال الرجل : ذاك شيخ موسوس ، قلت له : كذا على كذا.
فقال له : يا رجل ، أما تعرفه؟
فقال : لا.
قال له : ذاك إمام الدنيا ، وشيخ المسلمين ، ومفتي أصحاب الشافعي ؛ فرجع ذلك الرجل خجلا إلى الشيخ ، وقال : يا سيدي اعذرني ، فإني قد أخطأت وما عرفتك.
كما روى عن الشيخ أنه كان يمشي يوما مع بعض أصحابه فعرض له في الطريق كلب فزجره صاحبه فنهاه الشيخ وقال : أما علمت أن الطريق بيننا مشترك.
ودخل يوما مسجدا ليأكل فيه شيئا على عادته فنسى دينارا فذكره في الطريق فرجع فوجده فتركه ولم يمسه وقال ربما وقع من غيري ولا يكون ديناري.
حكى عنه أنه قال : كنت نائما ببغداد ، فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ، فقلت : يا رسول اللّه : بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار ، فأريد أن أسمع منك حديثا أتشرف به في الدنيا ، وأجعله ذخرا للآخرة ، فقال لي يا شيخ! ـ وسمّاني شيخا ، وخاطبني به. وكان يفرح بهذا ـ قل عني : من أراد السلامة ، فليطلبها في سلامة غيره. قال السمعاني سمعت هذا بمرو من أبي القاسم حيدر بن محمود الشيرازي ، أنه سمع ذلك من أبي إسحاق ذاته.
وقد أورد الذهبي في أخباره عن الشيخ أنه مات ولم يخلّف درهما ولا عليه درهم. وكذا فليكن الزهد ، وما تزوج فيما أعلم.
وقد بنى له الوزير نظام الملك مدرسة على شاطئ دجلة أخذ يدرس بها بعد تمنع