أن الفضل بمعنى آخر ليس بالقرابة ، وهو ما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : «إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ليس لعربي فضل على عجمي»(١) (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ) (الحجرات : من الآية ١٣).
فإن قيل : عليّ أعلم من أبي بكر رضي اللّه عنهما لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليقصد الباب» (٢) يقال لهم : هذا الخبر إما أن يكون عليّ رواه أو غيره؟ فإن كان غير عليّ رواه فهذا علم من العلوم قد علمناه من غير الباب وإذا جاز أن يعلم علم من العلوم من غير الباب جاز أن يعلم جميعها أو أكثرها من غير الباب ، وإن كان عليّ قد رواه فهذه شهادته لنفسه وشهادة الرجل لنفسه لا تقبل ، فدلّ على أن الخبر له معنى غير ما ذهبوا إليه وقوله عليه الصلاة والسلام : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٣) لم يرد علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه ، وإنما أراد بقوله «علي بابها» أي رفيع بابها وعظيم شأنها كقوله تعالى : (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) الحجر (٤١) بقراءة يعقوب الحضرمي ، أي رفيع مستقيم ، فيكون علي هاهنا بمعنى عال كما قال امرؤ القيس :
مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السّيل من على |
أي من عال ، وإذا كان بمعنى عال فلا حجة لهم فيه.
والدليل على أن أبا بكر رضي اللّه عنه أعلم وأفضل قوله صلى اللّه عليه وسلم : «يؤمكم أعلمكم وأفضلكم» (٤).
ثم لما وقع صلى اللّه عليه وسلم في النزع وحضر وقت الصلاة قال : «مروا أبا بكر فليصل بالناس» (٥) يقول عليّ رضي اللّه عنه : كنت حاضرا بين يدي النبي صلى اللّه عليه وسلم وما كنت غائبا فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس وتركني ، رضينا لدنيانا ما رضيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لديننا.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (٤٧٤٩) ، والإمام أحمد في مسنده (٢٣٥٣٦).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٥ / ٤١١) ـ ح (٢٣٥٣٦) وأبو نعيم في حلية الأولياء (٣ / ١٠٠).
(٣) حسن : أخرجه الحاكم في مستدركه (٣ / ١٣٧) ـ ح (٤٦٣٧) وقال صحيح. والطبراني في الكبير (١١ / ٦٥) ـ ح (١١٠٦١). وابن عدي في الكامل (٣ / ٤١٢). والعقيلي في الضعفاء (٣ / ١٤٩).
والخطيب في تاريخ بغداد (٧ / ١٧٢) ـ (برقم ٣٦١٣). وانظر / كشف الخفاء للحافظ العجلوني (١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧).
(٤) أخرجه البخاري (١ / ١٦٣).
(٥) تقدم تخريجه.