يا أبا موسى أهل اليمن. ومعلوم بأدلة العقول أنه لم يظهر أحد من أولاد أبي موسى الأشعري إلا رد على جميع المبتدعة من المعتزلة والرافضة والمشبهة ، وأبطل شبههم وما هم عليه غير الإمام أبي الحسن الأشعري ، فأنبأ النبي صلى اللّه عليه وسلم به في الغيب ، كما أنبأ عن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه بقوله : «لا تسبوا قريشا فإن اللّه عز وجل يظهر فيهم رجلا يملأ الأرض علما» (١). وروي فإن عالمها يملأ الأرض علما. واتفق العلماء كلهم على أنه الإمام الشافعي رضي اللّه عنه ، لأنه لم يكن في الأئمة قرشي غير الشافعي رضي اللّه عنه ، فأنبأ في الغيب كما أنبأ عن الإمام أبي الحسن الأشعري رضي اللّه عنه ، فمن كان في الفروع على مذهب الشافعي ، وفي الأصول على اعتقاد الأشعري ، فهو معلم الطريق وهو على الحق المبين كما أنشد بعض الأصحاب.
فأما قول الجهلة : نحن شافعية الفروع ، حنبلية الأصول ، فلم يعتد به لأن الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه ، لم يصنف كتابا في الأصول ، ولم ينقل عنه في ذلك شيء أكثر من صبره على الضرب والحسن حين دعته المعتزلة إلى الموافقة بخلق القرآن ، فلم يوافق ، ودعي إلى المناظر ، والاقتداء بمن صنف في ذلك ، وتكلم المبتدعة بالأدلة القاطعة والحجج الباهرة ، أولى وأحرى ، وإذا كان النبي صلى اللّه عليه وسلم مع جلالة قدره ، وعلم منزلته ، وإظهاره المعجزات والدلائل والآيات لم يخل من عدو منافق ، وحاسد فاسق ينسب إليه ما ليس هو عليه وأصحابه المقطوع لهم بالجنة ، فكذلك فيمن نزلت درجتهم أولى وأحرى أن لا يسلم من ذلك. ينبغي للعاقل المكلف إذا سمع عن هذه الطائفة ـ أعني الأشعرية ـ ما ينفر قلبه عنهم ، أن لا يبادر بالتصديق لذلك ، فليس تصديق من يصدقه أولى من تصديقهم في إنكارهم فيما ينسب إليهم من خلق القرآن وغيره ، ولأن المسلم لا يجوز له أن يكفر المسلم بالتقليد من غير نص في حاله ، ولا تثبت في أمره ، قال اللّه تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا ـ بقراءة من قرأ ـ أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). فمن كان مقصوده معرفة ما أهل الحق عليه ، والرجوع عن تكفيرهم ولعنهم ، فليدبر ما أشرت إليه يصل إلى مقصوده.
والحمد للّه وحده وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، واللّه الموفق وعليه التكلان وبه المستعان.
__________________
(١) عن ابن مسعود مرفوعا : «لا تسبوا قريشا ، فإن علم عالمها يملأ الأرض علما» ، أخرجه : ابن أبي عاصم في السنة (٢ / ٦٣٧) ـ ح (١٥٢٢). وأبو نعيم في الحلية (٦ / ٢٩٥). والذهبي في الميزان (٧ / ٢٧). والخطيب في تاريخ بغداد (٢ / ٦٠). والخطيب في الموضّح (٢ / ١٨١).
وانظر / كشف الخفاء للعجلوني (٢ / ٦٨ ـ ٦٩) ـ بيان من أخطأ على الشافعي للبيهقي (١ / ٩٤).