الإمكان لا يناسب إلا المادة لأن طبيعة المادة طبيعة عدمية لها استعداد قبول الصور والإمكان طبيعة عدمية أيضا لها استعداد قبول الوجود بقيت الصورة ولا موجب لها.
ومما يفضي منه العجب أن الجسم الذي هو مركّب من جوهرين مختلفين مادة وصورة لا يجوز أن يوجب جسما مثله وشيء ما له وجود بغيره وإمكان بذاته يوجب جواهر عقلية حقيقية مختلفة بالنوع لا يجوز أن تشترك في مادة مع أن الإمكان ليس يتحقق له وجود إلا في الذهن والمادة يتحقق لها وجود في الخارج فعرف بهذه الاعتراضات أن الواسطة التي أوجبوا وجودها حتى توجب الموجودات لا يحتاج إليها.
ثم نقول من أين أثبتم أربع اعتبارات في الصادر الأول حتى صدرت عنه أربعة جواهر فما قولكم في الصادر الثاني والثالث أفيصدر عن كل واحد على مثال ما صدر من الأول أو يتغير الترتيب فإن كان على مثال الأول فيجب أن يصدر عن كل واحد من الأربعة أربعة جواهر فيتضاعف الأعداد أربعة في أربعة ، وذلك على خلاف الوجود ، أو يصدر عن العقل الثاني أربعة أخرى ، فما الموجب للوقوف على تسعة من العقول أو تسع من النفوس وتسعة من الأفلاك وأربعة من العناصر فهلا زاد إلى ما لا يتناهى ، أو هلا زاد بعدد معلوم أو هلا نقص فهل الانتهاء على عدد معلوم ، ثم الوقوف عليه إلا تحكم محض ثم ما الموجب حتى يتغير التأثير من السماوي المتركب تركيبا لا ينحل قط المتحرك تحركا على الاستدارة لا يسكن قط إلى العناصر والمركبات تركيبا لا يدوم قط ولا يثبت على حال قط المتحركة تحركا على الاستقامة ثم الانتهاء إلى النفس الإنسانية والوقوف عليها آخرا وما الموجب لتقدير النجوم والشمس والقمر بأقدارها المعلومة حتى صار منها ما هو أكبر ومنها ما هو أصغر.
وما الموجب لتعيين القطبين بالموضع المعلوم مع أن كل كرة واحدة وليس بعض الأجزاء يتعين القطب فيه أولى من البعض فإن كنتم شرعتم في طلب العلة لكل شيء ، وادعيتم أن كمال نفس الإنسان في أن تتجلى له حقائق الموجودات وتصرفتم بالفكر العقلي في الهيئات وكيفية الإبداع فأفيدونا جواب هذه الأسئلة ، وإذ رأينا انحصاركم وتحيركم ورأينا الوجود على خلاف الترتيب الذي وضعتم ولم تستمر قاعدتكم على ما مهدتم عرف بطلان مذهبكم من كل وجه وعلم بالضرورة استناد الموجودات إلى صانع عالم قادر مختار ابتدع الخلق بقدرته وإرادته ابتداعا واخترعهم على مشيئته اختراعا ، ثم سلكهم في طرق إرادته وبعثهم على سبيل محبته لا يملكون تأخرا عما قدّمهم إليه ، ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخرهم عنه ، وهذا القدر يكفي في هذه المسألة من الرد على الفلاسفة المتفقين على رأي أرسطاطاليس ، وسنردّ على