نسبة إيجاب إلى موجب فتتكثر النسب الإضافية ولا تتكثر بها الذات وهذا كما يقدرونه في العقل الفعال الذي هو واهب الصور على العالم الجسماني فإنه ما من صورة تحدث في العالم إلا وهي من فيضه وسنخه (١) ، ثم تختلف الصور باختلاف الأنواع والأصناف إلى ما لا يتناهى ولا تختلف الصفات في الفائض بل هو نعت واحد والصور تختلف وتتكثر بحسب القوابل والحوامل ولو اختلفت النسب فإنما هي إضافات لا صفات حقيقية كذلك يجب أن يقال في واجب الوجود بذاته أنه ينسب إليه الكل نسبة واحدة من حيث وجودها الممكن ثم الاختلاف يحصل في القوابل أو تكون الإضافات والسلوب كثيرة وتتعدد الموجبات بحسب تلك ولا يوجب ذلك كثرة في الذات كما قالوا في المعلول الأول.
ونقول : كون العقل الأول عقلا أمر سلبي لأن معنى كونه عقلا أنه مجرد عن المادة والتجريد عن المادة سلب المادة ونفيها والنفي كيف يناسب وجود جوهر عقلي وهو عقل كيف والسلوب كثيرة فهلا أوجب بكل سلب جوهرا عقليا فإنه كما يسلب عنه المادة يسلب عنه الصورة ، أعني الصورة الجسمية ويسلب عنه الكيفية والكمية والوضع والحيز والمكان والزمان ولم يجب أن يقال يلزمه عنه بكل سلب جوهر عقلي ومثل هذه السلوب تتحقق في حق واجب الوجود أيضا ولا يوجب كل سلب جوهرا عقليا وإن سلم ذلك حصل غرضنا من إضافة الكل إليه (٢).
ثم نقول : لم صار كونه واجب الوجود بغيره أولى بإيجاب نفس من كونه مجردا عن المادة ولو عكس الأمر فجعل ما ذكرتموه بالغير موجبا للعقل ، وما ذكرتموه من التجرد عن المادة موجبا للنفس أي محال كان يلزم منه وأي خلل كان يحصل ، وهل هذا إلا تحكم بارد بني على تقليد أو تقليد استند إلى تحكم.
ونقول : عددتم اعتبارات أربعة وقضيتم بوحدة العقل في ذاته وقلتم إن الوحدة توجب نفسا أو جسما فبينوا ما هو المستفاد من الباري تعالى وما هو له من ذاته فإن الذي له من ذاته ليس إلا إمكان الوجود بقيت اعتبارات ثلاثة وإن كانت مستفادة من الأول استدعت ثلاثة مقتضيات وواجب الوجود واحد من كل وجه وإن كانت له لذاته أي من لوازم ذاته فقد بطل قولكم إن الذي له من ذاته هو الإمكان فقط ثم
__________________
(١) يعني من كرمه اللسان (١٣ / ٤٧٩).
(٢) انظر : شفاء العليل لابن قيم (١ / ١٤١) ، والملل والنحل للمصنف (٢ / ١٢٤) ، والمواقف للإيجي (٢ / ١٧٣) ، ونعمة الذريعة في نصرة الشريعة للقسطنطيني (ص ١٥٩).