كثرة في الذات إلا أنها لا توجب أشياء ، فإن ذات واجب الوجود واحدة من كل وجه إلا أنها لا تتكثر بالإضافات والسلوب والصفات الإضافية والسلبية لا توجب أشياء متعددة إذ لو أوجبت لأضيف إلى واجب الوجود جميع الموجودات إضافة واحدة من غير وسائط وذلك محال عندكم فهم بين أمرين متناقضين إن أثبتوا في المعلول الأول صفات إيجابية مختلفة الحقائق فقد ناقضوا مذهبهم حيث قالوا الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وإن قالوا هذه الصفات التي ثبتت إضافية أو سلبية لزمهم أن يثبتوا مقتضيات متعددة لواجب الوجود وذلك أيضا يناقض مذهبهم.
وهذا إلزام إفحام لا محيص عنه ، ثم نفصّل القول بعد الإجمال فنقول إذا كان المقتضي مفصلا معلوما مختلف الأنواع يجب أن يكون المقتضى مفصلا معلوما مختلف الحقائق وما أثبتم إلا أمرين أحدهما كونه واجبا بغيره والثاني كونه جائزا بذاته وكونه واجبا بغيره أوجب عقلا أو نفسا وكونه ممكنا بذاته أوجب صورة ومادة فقد أثبتم صدور موجودين جوهرين قائمين بذاتيهما من وجه واحد وذلك أيضا يناقض مذهبهم.
وأراد من تلبس منهم أن يعتذر عن هذين الإلزامين فقال : إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد كما ذكرنا إلا أن العقل الأول إنما يكثر باعتبارات ذاته لا بما استفاد من غيره لأن الإمكان له من ذاته لا من غيره والوجود له من غيره لا من ذاته فلم يستفد الكثرة من واجب الوجود لعمري لما حصل العقل حصلت له اعتبارات أربعة أحدها : كونه واجبا بغيره والثاني : كونه عقلا ، والثالث : كونه واحدا في ذاته ، والرابع : كونه ممكنا في ذاته فأوجب من حيث هو عقل عقلا ومن حيث هو موجود بواجب الوجود نفسا ، ومن حيث هو واحد صورة ومن حيث هو ممكن مادة وهذه الاعتبارات لما كانت مختلفة الحقائق أوجبت جواهر مختلفة الأنواع.
انظروا بعين الاعتبار إلى هذا الاعتذار هل هو إلا تحكم محض لم يقم عليه دليل عقلي ولا شاهد حسي بل هو أقل رتبة من طرد الفقهاء أرادوا بناء أشرف الموجودات كمالا على اعتبارات كلها ترجع إلى عبارات فنطالبهم أولا بصحة هذه المناسبات ولا يجدون إلى إثباتها سبيلا.
ثم نقول كونه واجب الوجود بغيره أمر إضافي لا محالة لأن كون واجب الوجود مبدأ وعلة أو موجبا ومبدعا أمر إضافي لا تتكثر به الذات ، فإذا كان الإيجاب إضافة فيكون بين الموجب والموجب إضافة لا محالة ، والأمر الإضافي قد يتكثر ويتعدد ولا تتكثر به الذات فلو صح أن يكون موجبا في العقل الأول العقل الآخر لصح مثله في واجب الوجود بذاته فهلا كثرت الإضافات في حق واجب الوجود حتى تتحقق له