عدم من وجه والوسائط إن أثبتت فإنها معدات لا موجدات.
فإن قيل الممكن باعتبار ذاته إنما يوجب غيره أو يوجد باعتبار وجوده بغيره وحين لاحظنا جانب الوجود نقطع نظرنا عن الإمكان والعدم ، فإن الإمكان قد زال بثبوت الوجود وحصل الوجوب بدل الإمكان فلا التفات إلى الإمكان أصلا فلم يؤثر بشركة الإمكان.
والجواب قلنا : إذا كان الوجود من حيث هو وجود مؤثرا من غير ملاحظة إلى وجه الإمكان والجواز فليؤثر وجود كل موجود حتى لا يكون العقل بالإيجاب أولى من النفس أو الجسم ، وحتى يكون الجسم مؤثرا في الجسم باعتبار صورته ، لا من حيث مادته فإن الوجود من حيث هو وجود لا يختلف وإنما الاختلاف في كل موجود إنما يرجع إلى الفواصل.
فإن قيل : العقل الأول إنما يوجب شيئا آخر بسبب اعتبارات في ذاته فهو من حيث وجوده بواجب الوجود يوجب عقلا أو نفسا ومن حيث إنه ممكن بذاته يوجب جسما هو صورة ومادة وقولكم إن جهة الإمكان غير ملتفت إليها أصلا باطل فإن جهة الوجوب يناسب وجود العقل والنفس وجهة الإمكان يناسب وجود المادة والصورة وإنما حملنا على إثبات هذا الإيجاب لأن الواحد لا يجوز أن يصدر عنه إلا واحد فإنه لو صدر عنه اثنان لكل عن جهتين ، ولو ثبت أن له جهتين لتكثرت ذاته وقد دل البرهان على أن واجب الوجود لن يتكثر.
والجواب قلنا : ولو كان العقل إنما أوجب عقلا أو نفسا باعتبار أنه واجب بغيره لا وجب الجسم جسما أو نفسا باعتبار أنه واجب بغيره ، فإن قضية الوجوب بالغير لا تختلف إلا أن يكون أحدهما بغير واسطة والثاني بواسطة وإلا فمن حيث إن الجسم ذو مادة لا يمتنع عليه الإيجاد من حيث إنه واجب بغيره ، وكما أن العقل من حيث إنه ذو إمكان في ذاته لم يمتنع عليه بالإيجاب والإيجاد من حيث أنه واجب بغيره فقولوا إن الجسم يجوز أن يوجد جسما أو قوة في جسم ، يجوز أن توجب جسما أو صورة الجسمية يجوز أن توجب جسما وهذا مستحيل بالاتفاق.
ثم نقول هاهنا مقتضيات أربعة : عقل ونفس وفلك ومادة ، وهي جواهر مختلفة متمايزة بالحقائق تستدعي مقتضيات أربعة مختلفة بالحقائق أيضا فعليكم أن تثبتوا في المعلول الأول هذه الحقائق بحيث يناسب كل واحد واحد ، وإلا فيلزم أن يصدر عن شيء واحد أشياء وذلك محال عندكم وعليكم أيضا أن تثبتوا أن تلك الاعتبارات المقتضية لا ترجع إلى إضافات وسلوب فإن كثرة الإضافات والسلوب وإن لم توجب