أن الفعل ذو جهات عقلية واعتبارات ذهنية عامة وخاصة كالوجود والحدوث والعرضية واللونية وكونه حركة أو سكونا وكون الحركة كتابة أو قولا وليس الفعل بذاته شيئا من هذه الوجوه بل هي كلها مستفادة له من الفاعل والذي له بذاته هو الإمكان فقط وأما وجوده فمستفاد من موجده على الوجه الذي هو به وهو أعم الوجوه ، وأما كونه كتابة أو قولا فمستفاد من كاتبه أو قائله وهو أخص الوجوه فيتميز الوجهان تميزا عقليا لا حسيا وتغاير المتعلقان تغايرا سمّي أحدهما إيجادا وإبداعا وهو نسبة أعم الوجوه إلى صفة لها عموم التعلق وسمي الثاني كسبا وفعلا وهو نسبة أخص الوجوه إلى صفة لها خصوص التعلق فهو من حيث وجوده يحتاج إلى موجد ومن حيث الكتابة والقول يحتاج إلى كاتب وقائل والموجد لا تتغير ذاته أو صفته لوجود الموجد ويشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل والمكتسب تتغير ذاته وصفته لحصول الكسب ولا يشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل.
وبيان آخر نقول : جلت القدرة الأزلية عن أن يكون لها صلاحية مخصوصة مقصورة على وجوه من الفعل مخصوصة وقصرت القدرة الحادثة عن أن يكون لها صلاحية عامة شاملة لجميع وجوه الفعل وذلك أن صلاحية القدرة الحادثة لم تشمل جميع الموجودات بالاتفاق فلا تصلح لإيجاد الجوهر وكل عرض بل هي مقصورة على حركات مخصوصة والقدرة الحادثة فيها مختلفة الصلاحية حتى يمكن أن يقدر نوعية مخصوصة والقدرة الحادثة لتنوع الصلاحية فلذلك اقتصرت على بعض الموجودات دون البعض بخلاف قدرة الباري سبحانه فإن صلاحيتها واحدة لا تختلف فيجب أن يكون متعلقها واحدا لا يختلف وذلك هو الوجود فإذا لم يجز أن يضاف أخص الأوصاف إلى الباري سبحانه لأنه يؤدي إلى قصوره في الصلاحية كذلك لا يجوز أن يضاف أعم الأوصاف إلى القدرة الحادثة لأنه يؤدي إلى كمال في الصلاحية فلا ذاك الكمال مسلوب عن القدرة الإلهية ولا هذا الكمال ثابت للقدرة الحادثة فينعم النظر فيه لأن فيه خلاصا فلا يجوز أن يضاف إلى الموجد ما يضاف إلى المكتسب حتى يقال هو الكاتب القائل القاعد القائم ولا يجوز أن يضاف إلى المكتسب ما يضاف إلى الموجد حتى يقال هو الموجد المبدع الخالق والرازق.
وعن هذا كان الجواب المرتضى عند التمييز بين الخلق والكسب أن الخلق هو الموجود بإيجاد الموجد ويلزمه حكم وشرط.
أما الحكم : فإنه لا يتغير الموجد بالإيجاد فيكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة.
وأما الشرط : أن يكون عالما به من كل وجه والكسب هو المقدور بالقدرة