ولقد استهزأ بهذه الطريقة من لم يدرك غورها وأمكن تقريرها من وجهين :
أحدهما : أن الفعل قد دل على وجود صانع للعالم مريد قادر فإن قدر ثان ، فلا يخلو إما أن يكون له دليل خاص على وجوده أو يجوز عقلا بأن يقال كما لا دليل على وجوده لا دليل على انتفائه فإن له دليلا بأن يخلق عالما آخر غير العالم المعين فيؤدي إلى قصور في الإلهين جميعا كما بينا وإن جوز ذلك فيجب أن يكون عالما بأن يخلق مريدا لأن يخلق قادرا على أن يخلق وإذا لم يخلق دل على أنه لم يرد وإذا لم يرد علم أن لا يخلق والإله يجب علمه بأن يخلق ويريد بأن يخلق حتى يكون مثلا للأول فإنما ليس بمثل له ليس بإله.
والوجه الثاني في تقرير التكافؤ : أن الأمر لا يخلو إما أن يقف في عدد معلوم فيستدعي الاقتصار على عدد محصور مقتضيا حاصرا فإن الكمية من حيث العدد كالكمية من حيث المساحة أليس لو كان واحدا ذا حجم وعظم مشكل اقتضى مشكلا لذلك إذا كان ذا مقدار وعدد اقتضى مقدرا وإن لم يقف في عدد معلوم اقتضى أعدادا غير متناهية محصورة في الوجود غير مترتبة وذلك محال وبالجملة ما لا دليل عليه عقلا فتجويز وجوده تقدير عقلي والمجوز عقلا المقدر ذهنا ليس بإله.
فلا تعقل عن هذه الدقيقة وأفرق في المعقولات بين تقدير المحال لفظا أو فرضا وبين تجويزه عقلا أو عقدا واعلم أن التقدير المذكور في الكتاب فرض محال لفظا ليس بطلانه عقلا.
سؤال على وجه دلالة الفعل (١) :
فإن قيل صادفنا في الموجودات خيرا أو شرا أو نظما أو فسادا ووجه دلالة الخير يخالف وجه دلالة الشر بل وجود الخير يدل على مريد الخير ووجود الشر يدل على مريد الشر ومريد الخير على الإطلاق لا يكون مريدا للشر على الإطلاق كما أن مريد الخير في فعل مخصوص لا يكون مريد الشر في ذلك الفعل بعينه فاختلاف وجه دلالة الفعل بالتضاد دل على اختلاف الفاعلين بالتضاد وكما أنكم استدللتم بأنه لو كان معه إله لفسدت السموات والأرض فنحن نستدل بفساد فيهما خيرا وشرا على إلهين اثنين.
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (٣ / ٥٦٦) ، والتبصير في الدين للأسفراييني (ص ١٦٣) ، والتمهيد للباقلاني (ص ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠).