ولو قدرنا اثنين واجبي الوجود اشتركا في كون كل واحد منهما واجب الوجود فلا بد أن ينفصل أحدهما عن الثاني بفصل يخصه فيكون وجوب الوجود مشتركا فيه وهو ذاتي لهما فيكون جنسا وما يخص أحدهما دون الثاني فصلا ويكون ذاته متركبا منهما ويجب أن تكون الأجزاء متقدمة بالذات على ذاته فيكون متأخرا عنها بالذات فيكون واجبا بها لا بنفسه وذاته فهو خلف فإذا نوع واجب الوجود سواء أطلق إطلاقا أو خصص تخصيصا لا يجوز أن يكون إلا واحدا فوجوده وجوبه ووجوبه حقيقته وحقيقته وحدته ووحدته تخصصه وتعينه من غير أن يتمايز وجوب عن وجود ووجود عن ماهية وحقيقة وعن هذا نفوا صفات الباري تعالى زائدة على الذات كما سيأتي تفصيل ذلك في مسألة الصفات إن شاء الله.
ثم جرحوا دلالة الخير والشر بل وقوع الشر في الوجود على مذهبهم.
بأن قالوا : الشر لا معنى له إلا عدم وجود أو عدم كمال وجود والعدم يدخل في القضاء بالعرض لا بالذات بل القصد الأول في الإبداع أن يكون وجود ثم القسمة العقلية أن يكون وجود هو خير محض أو يكون وجود لا يتحقق حصوله إلا على أن يتبعه شر أما وجود الشر المحض فهو مستحيل بل الوجود الذي أكثره شر كذلك فلا وجود وجود يتبعه شر قليل أكثر شرا من وجوده فالشر داخل في الوجود بالقصد الثاني ولا دلالة له على مدلول إذ لا حقيقة لوجوده كما بيناه.
وقد سلكت المعتزلة طريق التمانع في استحالة الإلهين كما سلكناه ، ولم يستمر لهم ذلك حيث جوزوا اختلافا في إرادة الباري سبحانه وإرادة العبد واختلافا في الفعل فلا تمانع.
وسلك الكعبي طريقا آخر ، وقال لو قدرنا قائمين بأنفسهما لا يتميز أحدهما عن الآخر بزمان أو مكان أو حيز لا يكون لأحدهما حقيقة خاصية يمتاز أحدهما عن الثاني بها فهو مستحيل عقلا والخصم ربما يقول : هذا هو نفس النزاع عبرت عنه تعبيرا وصيرته دليلا فإن جماعة من العقلاء صاروا إلى إثبات جواهر عقلية من عقول مجردة ونفوس مجردة قديمات قائمات بأنفسها ويمتاز بعضها عن بعض بخواص وحقائق ولم تمنع العقول ثبوتها ومن أراد أن يسلك هذه الطريقة فلا بد أن يزيد فيها شروطا حتى يتحقق الاستحالة وتتضح للعقل والله أعلم.