وصف الجوهر بأنه عالم وكذلك سائر المعاني والأعراض فليس ذلك كالوصف يكون الباري تعالى خالقا صانعا على مذهب من لم يفرق بين الخلق والمخلوق فإن المخلوق لا يقوم بذات الخالق والخلق قائم بذاته تعالى عندكم فيجب أن يكون وصفا له وكذلك يقال أراد فهو مريد بإرادة وقال فهو قابل بقول : وإذا تحقق كونه وصفا له بعد أن لم يكن موصوفا به فقد تحقق التغير والتغير خروج الشيء إلى غير ما كان عليه ولا يشترط فيه بطلان صفة وتجدد صفة فإنه إذا كان خاليا من صفات ، ثم اعتراه صفات فقد تغير عما كان عليه فليس للخصم اعتراض على هذه الطريقة إلا منع الاتصاف أو منع التغير وقد أثبتناهما ولكنه وضع لنفسه اصطلاحا في أحكام المعاني القائمة بالغير وميز بين حكم العلم والقدرة وهي العالمية والقادرية والمريدية وبين حكم الحركة والسكون القائمين بالجوهر وهو المتحركية والساكنية فإن كان هذا التميز غير مقبول عقلا فإن اتصاف المحال بالأوصاف الحادثة واتصاف الذات بالأوصاف من حيث إنها صفات وموصوفات ليس تختلف ولا تأثير القدم والحدوث فيها أصلا ، فإنه إن كان الوصف راجعا إلى القول واللسان فلا يختلف الحال بين وصف ووصف ، وإن كان الوصف راجعا إلى حقيقة في الموصوف يعبر عنها لسان الواصف فلا يختلف الحال بين حقيقة وحقيقة والمعنى إذا قام بذات أو محل صار وصفا وصفة لها ورجع حكمه إليه بالضرورة.
برهان آخر أوضح مما قد سبق وهو أن كل حادث يحتاج إلى محدث من حيث إنه كان في نفسه وباعتبار ذاته جائز الوجود والعدم فلما ترجح جانب الوجود على العدم احتاج إلى مرجح بالضرورة ثم ذلك المرجح إن كان حادثا احتاج إلى مرجح ثم يتسلسل القول فيه إلى ما لا نهاية له وجهة الاحتياج لا يختلف الحال فيها بين حادث في ذاته سبحانه وتعالى وبين محدث مباين ذاته فإنه إنما احتاج بجهة تردده بين طرفي جواز الوجود والعدم لا بجهة التباين وغير التباين وهذا قاطع لا اعتراض عليه.
ونقول : إن تصور وجود حادث لا بإحداث فإما أن يقال : يحدث ذلك الحادث بنفسه أو بقدرته أو بمشيئة قديمة.
فإن قيل : يحدث بنفسه فقد باهتوا العقل الصريح بضرورة حكمه بأن ما لم يكن فكان احتاج إلى محدث مكون.
فإن قيل : أحدث بقدرة ومشيئة فقد ناقضوا قضية العقل فإن ذلك الحادث إذا جاز أن يحدث بالقدرة فلم لا يجوز أن يحدث المحدثات كلها بقدرته ومشيئته ، إذ لا فرق في نظر العقل بين الحادث والمحدث من حيث إنه لم يكن فكان.