بعد أن يحدث لا حال أن يحدث.
ومن الإلزامات : أن قوله كن لا يخلو إما أن يسبق أحد الحرفين على الثاني أو يتلازمان في الوجود ، أما في حال الوجود أو حال البقاء ، فإن سبق أحدهما وتلاه الثاني فإما أن يبقى الأول أو لم يبق ، فإن بقي مقولا مسموعا لم يكن كن بل الأول ما لم ينعدم لا يوجد الثاني حتى يكون مترتبا متعاقبا وإلا ، فالكاف المسموع مع النون دواما لا يتصور أصلا وإن لم يبق فقد انعدم وعندكم ما حل في ذاته تعالى لا يجوز عليه العدم ، وإن كانا يتلازمان في الوجود فقد أوجد أحدهما مع الثاني فليس الكاف بالتقديم أولى من النون وكذلك كل حرف يجب أن يسبق حرفا في القول والتكلم حتى يكون بترتبه وتعاقبه كلاما مسموعا (١).
ومن الإلزامات : إثبات أكوان حادثة مع الكون القديم وإثبات علوم حادثة مع العلم القديم كإثبات إرادة حادثة مع المشيئة القديمة وقد ذكر المتكلمون ذلك في كتبهم.
أما شبهة الكرامية أن قالوا سمع الباري سبحانه ما لم يسمع قبله ورأى ما لم ير قبله فيجب أن يحدث له تسمع وتبصر.
فقيل لهم أتقولون لم يكن الباري سبحانه سامعا للأصوات فصار سامعا لها ولا رائيا للمدركات فصار رائيا لها ولم يكن قائلا للأوامر والنواهي فصار قائلا ولم يرد وجود العالم في الوقت الذي سبق وجوده فصار مريدا في الوقت الذي أوجده فيدل كل ذلك على تجدد وصف له وإن لم تقولوا إنه صار سميعا بصيرا مريدا فقد تناقض قولكم إنه سمع ما لم يسمع ورأى ما لم ير وأراد ما لم يرد.
ثم الجواب الحقيقي قلنا قد جمعتم بين كلمتي نفي وإثبات في قولكم لم يكن كذا فصار كذا فلا النفي على أصلنا مسلم ولا الإثبات على أصلكم مذهب لكم فأما النفي على أصلنا فغير مسلم أنه لم يكن سميعا بصيرا بل هو بصير سميع أبدا وأزلا كما هو عليم قدير أبدا وأزلا وإنما التجدد يرجع إلى المدرك كما يرجع التجدد إلى المعلوم والمقدور فهو كقولكم لم يكن مستويا على العرش فصار مستويا ولم يكن بجهة فوق فصار بجهة فوق وبالاتفاق لم تحدث له صفة لم تكن بل النفي إنما يرجع إلى المدركات فنقول لم تكن المسموعات والمرئيات موجودة فيسمع ويرى فوجدت فتعلق بها السمع والبصر فكان التعلق مشروطا بالوجود لا بالمتعلق ورب تعلق شرط فيه الوجود والحياة والعقل والبلوغ ثم عدم الشرط لم يقتض عدم المتعلق.
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للمصنف (١ / ١١٠).