والعرض يعلم بعرضيته ولا يخطر بالبال كونه لونا أو كونا ثم يعرف كونه لونا بعد ذلك ولا يعرف كونه سوادا أو بياضا إلا أن يعرف والمعلومان إذا تمايزا في الشيء الواحد رجع التمايز إلى الحال ، وقد يعلم ضرورة من وجه ويعلم نظرا من وجه كمن يعلم كون المتحرك متحركا ضرورة ثم يعلم بالنظر بعد ذلك كونه متحركا بحركة ولو كان المعنيان واحد لما علم أحدهما بالضرورة والثاني بالنظر ولما سبق أحدهما إلى العقل وتأخر الآخر ومن أنكر هذا فقد جحد الضرورة ونفاة الأعراض أنكروا أن الحركة عرضا زائدا على المتحرك وما أنكروا كونه متحركا وأنتم معاشر النفاة وافقتمونا على أن الحركة علة لكون الجوهر متحركا وكذلك القدرة والعلم وجميع الأعراض والمعاني والعلة توجب المعلول لا محالة ، فلا يخلو إما أن توجب ذاتها وإما شيئا آخر وراء ذاتها ويستحيل أن يقال توجب ذاتها فإن الشيء الواحد من وجه واحد يستحيل أن يكون موجبا وموجبا لنفسه وإن أوجب أمرا آخر فذلك الأمر إما ذات على حيالها أو صفة لذات ويستحيل أن تكون ذاتا على حيالها فإنه يؤدي إلى أن تكون العلة بإيجابها موجدة للذوات وتلك الذوات أيضا علل وهو محال فإنه يؤدي إلى التسلسل فيتعين أنه صفة لذات وذلك هو الحال التي أثبتناها فالقسمة العقلية ألجأتنا إلى إثباتها والضرورة حملتنا على ألا نسميها موجودة على حيالها ومعلومة على حيالها وقد يعلم الشيء مع غيره ولا يعلم على حياله كالتأليف بين الجوهرين والمماسة والقرب والبعد فإن الجوهر الواحد لا يعلم فيه تأليف ولا مماسة ما لم ينضم إليه جوهر آخر وهذا في الصفات التي هي ذوات وأعراض متصورة فكيف في الصفات التي ليست بذوات بل هي أحكام الذوات.
وأما قولكم : إنه راجع إلى وجوه واعتبارات عقلية.
فنقول : هذه الوجوه والاعتبارات ليست مطلقة مرسلة بل هي مختصة بذوات فالوجوه العقلية لذات واحدة هي بعينها الأحوال فإن تلك الوجوه ليست ألفاظا مجردة قائمة بالمتكلم بل هي حقائق معلومة معقولة لا أنها موجودة على حيالها ولا معلومة بانفرادها بل هي صفات توصف بها الذوات فما عبرتم عنه بالوجوه عبرنا عنه بالأحوال فإن المعلومين قد تمايزا وإن كانت الذات متحدة وتمايز المعلومين يدل على تعدد الوجهين والحالين وذلك معلومان محققان تعلق بهما علمان متمايزان أحدهما ضروري والثاني مكتسب وليس ذلك كالنسب والإضافات فإنها ترجع إلى ألفاظ مجردة ليس فيها علم محقق متعلق بمعلوم محقق.
وقولهم : الشيء الواحد لا شركة فيه والمشترك لا وجود له باطل فإن الشيء