قال النافون : الكلام على المذهب ردا وقبولا إنما يصح بعد كون المذهب معقولا ونحن نعلم بالبديهة أن لا واسطة بين النفي والإثبات ولا بين العدم والوجود وأنتم اعتقدتم الحال لا موجودة ولا معدومة وهو متناقض بالبديهة ثم فرقتم بين الوجود والثبوت فأطلقتم لفظ الثبوت على الحال ومنعتم إطلاق لفظ الوجود فنفس المذهب إذا لم يكن معقولا فكيف يسوغ سماع الكلام والدليل عليه.
ومن العجائب أن ابن الجبائي قال لا توصف بكونها معلومة أو مجهولة وغاية الاستدلال إثبات العلم بوجود الشيء فإذا لم يتصور له وجود ولا تعلق العلم به بطل الاستدلال عليه وتناقض الكلام فيه.
ثم قالوا : ما المعني بقولكم الافتراق والاشتراك قضية عقلية إن عنيتم به أن الشيء الواحد يعلم من وجه ويجهل من وجه ، فالوجوه العقلية اعتبارات ذهنية وتقديرية ولا يقتضي ذلك صفات ثابتة لذوات وذلك كالنسب والإضافات مثل القرب والبعد في الجوهرين فإن عنيتم بذلك أن الشيء الواحد تتحقق له صفة يشارك فيها غيره وصفة يمايز بها غيره فهو نفس المتنازع فيه ، فإن الشيء الواحد المعين لا شركة فيه بوجه والشيء المشترك العام لا وجود له البتة.
وقولهم : إن نفي الحال يؤدي إلى حسم باب الحد والحقيقة والنظر والاستدلال بالعكس أولى فإن إثبات الحال التي لا توصف بالوجود والعدم وتوصف بالثبوت دون الوجود حسم باب الحد والاستدلال فإن غاية الناظر أن يأتي في نظره بتقسيم دائر بين النفي والإثبات فينفي أحدهما حتى يتعين الثاني ومثبت الحال قد أتى بواسطة بين الوجود والعدم فلم يفد التقسيم والإبطال علما ولا يتضمن النظر حصول معرفة أصلا ثم الحد والحقيقة على أصل نفاة الأحوال عبارتان عن معبر واحد فحد الشيء حقيقته وحقيقته ما اختص في ذاته عن سائر الأشياء ولكل شيء خاصية بها يتميز عن غيره وخاصيته تلزم ذاته ولا تفارقه ولا يشترك فيها بوجه وإلا بطل الاختصاص وأما العموم والخصوص في الاستدلال فقد بينا أنه راجع إلى الأقوال الموضوعة لها ليربط شكلا بشكل ونظيرا بنظير والذات لا تشتمل على عموم وخصوص البتة بل وجود الشيء وأخص وصفه واحد.
قال المثبتون نحن لم نثبت واسطة بين النفي والإثبات ، فإن الحال ثابتة عندنا ولو لا ذلك لما تكلمنا فيها بالنفي والإثبات ولم نقل على الإطلاق إنه شيء ثابت على حياله موجود فإن الموجود المحدث إما جوهر وإما عرض وهو ليس أحدهما بل هو صفة معقولة لهما فإن الجوهر قد يعلم بجوهريته ولا يعلم بحيزه وكونه قابلا للعرض