في حكم محل واحد فتوصف بالحال ، وعند القاضي أبي بكر رحمهالله لا يوصف بالحال إلا الجزء الذي قام به المعنى فقط وأما القسم الثاني فهو كل صفة إثبات لذات من غير علة زائدة على الذات كتحيز الجوهر وكونه موجودا وكون العرض عرضا ولونا وسوادا والضابط أن كل موجود له خاصية يتميز بها عن غيره فإنما يتميز بخاصية هي حال ، وما تتماثل المتماثلات به وتختلف المختلفات فيه فهو حال وهي التي تسمى صفات الأجناس والأنواع والأحوال عند المثبتين ليست موجودة ولا معدومة ولا هي أشياء ولا توصف بصفة ما وعند ابن الجبائي ليست هي معلومة على حيالها وإنما تعلم مع الذات ، وأما نفاة الأحوال فعندهم الأشياء تختلف وتتماثل لذواتها المعينة ، وأما أسماء الأجناس والأنواع فيرجع عمومها إلى الألفاظ الدالة عليها فقط وكذلك خصوصها وقد يعلم الشيء من وجه ويجهل من وجه والوجوه اعتبارات لا ترجع إلى صفات هي أحوال تختص بالذوات وهذا تقرير مذهب الفريقين في تعريف الحال.
أما أدلة الفريقين فقال المثبتون : العقل يقضي ضرورة أن السواد والبياض يشتركان في قضية وهي اللونية والعرضية ويفترقان في قضية وهي السوادية والبياضية فما به الاشتراك غير ما به الافتراق أو غيره فالأول سفسطة والثاني تسليم المسألة.
وقال النفاة : السواد والبياض المعنيان قط لا يشتركان في شيء هو كالصفة لهما بل يشتركان في شيء هو اللفظ الدال على الجنسية والنوعية والعموم والاشتراك فيه ليس يرجع إلى صفة هي حال للسواد والبياض ، فإن حالتي العرضين يشتركان في الحالية ، ولا يقتضي ذلك الاشتراك ثبوت حال للحال فإنه يؤدي إلى التسلسل فالعموم كالعموم والخصوص كالخصوص (١).
قال المثبتون : الاشتراك والافتراق قضية عقلية وراء اللفظ ، وإنما صيغ اللفظ على وفق ذلك ومطابقته ونحن إنما تمسكنا بالقضايا العقلية دون الألفاظ الوضعية ومن اعتقد أن العموم والخصوص يرجعان إلى اللفظ المجرد فقد أنكر الحدود العقلية للأشياء والأدلة القطعية على المدلولات والأشياء لو كانت تتمايز بذواتها ووجودها بطل القول بالقضايا العقلية ، وحسم باب الاستدلال بشيء أولى على شيء مكتسب متحصل وما لم يدرج في الأدلة العقلية عموما عقليا لم يصل إلى العلم بالمدلول قط وما لم يتحقق في الحد شمولا بجميع المحدودات لم يصل إلى العلم بالمحدود.
__________________
(١) انظر : غاية المرام (ص ٣٥ ، ٥٠) ، ومقالات الإسلاميين (ص ٣٧٢) ، والملل والنحل للمصنف (٢ / ٢٠٢) ، والمواقف للإيجي (١ / ٤١٠ ، ٤١٥).