قال : «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له» (١). فليس هذا للمحتج في شيء ، اذ مع حمل هذا الأثر على الصحة فإنه لا يدل اكثر من مبايعة الظالمين تقية لا اختياراً ، لأن المراد من الطاعة ، انما هي طاعة من أمر الله تعالى ورسوله الكريم بطاعتهم ، وليس المراد منها طاعة يزيد ومبايعته ، حتى وإن أُريد بالخلع المذكور في هذا الأثر ، هو الخلع بعد البيعة حيث كانت قد أُخذت بالإكراه كما هو المعروف في أخذ البيعة ليزيد بن معاوية زمن الحرّة ، فخلعه اذاً لا تبعة فيه ، ولا حنث يمين ، لان البيعة كانت تقية بضغط الإكراه ، وليس على مكره يمين.
فها هم أهل المدينة انفسهم قد نقموا على أبي جعفر المنصور (ت / ١٥٨ ه) ظلمه وطغيانه ، وخلعوا ايديهم من طاعته بعد بيعتهم له ، وخرجوا مع محمد النفس الزكية (ت / ١٤٥ ه) وفيهم كبار التابعين بعد أن افتاهم مالك بن انس (ت / ١٧٩ ه) بان بيعتهم له إنما كانت تقية بضغط الإكراه عليها ، وليس على مكره يمين (٢).
ولم يقل أحد بالأمس ولا اليوم من فقهاء المسلمين قاطبة : أن أهل المدينة بخلعهم المنصور ومبايعة النفس الزكية سيلقون الله يوم القيامة لا حجة لهم.
ومن هنا يفهم أن حمل ما رواه ابن عمر عن رسول الله (ص) لا يمكن شرعاً وعقلاً ان يحمل مع القول بصحته على غير المعنى المتقدم ، وإلا فلا يخلو هذا الأثر من اتهام عظيم لسائر صلحاء هذه الأمة ، وابرارها ممن خلعوا يداً عن طاعة الظالمين ، واشتروا انفسهم ابتغاء مرضاته تعالى.
__________________
(١) صحيح مسلم ٢٠ : ٦ ٢٢ ، باب الأمر بلزوم الجماعة.
(٢) تاريخ الطبري ٤٢٧ : ٤ في حوادث سنة / ١٤٥ ه.