وثالثتها : إنه سُئِلَ عن الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، والإسرار به؟ فقال : لا أدري هذه المسألة!
فثبت أنّ الرواية عن أنس في هذه المسألة قد عظم فيها الخبط والاضطراب ، فبقيت متعارضة ، فوجب الرجوع إلى سائر الدلائل. وأيضاً ففيها تهمة أخرى ، وهي : إن علياً عليهالسلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة إلى بني أُمية بالغوا في المنع من الجهر (بها) سعياً في إبطال آثار علي عليهالسلام.
فلعل أنساً خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه ، ونحن وإن شككنا في شيء فإنّا لا نشك أنه مهماً وقع التعارض بين قول أنس وابن المغفل ، وبين قول علي بن أبي طالب عليهالسلام ، الذي بقي عليه طول عمره ، فإن الأخذ بقول علي أولى. فهذا جواب قاطع في المسألة» (١) ، انتهى الوجه الأول من كلام الرازي حرفاً بحرف.
قلت : إن ما احتمله الإمام الرازي من تقية الصحابي أنس في موافقته للأمويين على ترك البسملة في الصلاة ، حقيقة واضحة لا مجرد احتمال ، ويدل عليه قوله : لا أدري هذه المسألة ، حين سئل عنها. وهذه هي تقية اخرى منه ازاء السائل. إذ كيف يجهل الجهر من الإسرار بالبسملة ، وهو قد عاش عصر النبي (ص) ، وعصر الخلفاء الراشدين ، فضلاً عن ملازمته للنبي الأكرم (ص) وخدمته ، لو لا انه أوجس خيفة من السائل؟
وبعد .. فلا تعجب إن قلت لك : إن الإمام الرازي قد ختم كتابه المحصل
__________________
(١) التفسير الكبير / الرازي ٢٠٦ : ١ في المسائل الفقهية المستنبطة من الفاتحة.