بخلافه إلا من شذّ منهم ، وفيه تفصيل سيأتي ذكره في فقه الأحناف.
ومن الجدير بالإشارة هو أنّ التقية ليست واجبة في جميع الحالات وبلا قيد أو شرط عند فقهاء المسلمين ، فهي قد تكون واجبة ، وقد تكون محرمة ، كما قد تكون مباحة أو مندوبة أو مكروهة بحسب الأحكام التكليفية الخمسة ، ولكن ليس لأحكام التقية ضابط في أغلب حالات الإكراه إلا ما نُصّ عليه بدليل معتبر ، ولهذا فقد تُرِك تقديرها لمن يُحمل عليها قسراً.
قال ابن نجيم الحنفي (ت / ٧٩٠ ه) : «إذا تعارضت مفسدتان رُوعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما».
ثمّ نقل عن الزيلعي قوله : «الأصل في جنس هذه المسائل أنّ من ابتلي ببليّتين ، وهما متساويتان يأخذ بأيّهما شاء ، وإن اختلفتا يختار أهونهما ، لأنّ مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة ، ولا ضرورة في حقّ الزيادة» (١).
وقد نصّ على هذه الحقيقة كلّ من : الفرغاني الحنفي (ت / ٢٩٥ ه) (٢) ، ومحمّد بن محمّد أبو حامد الغزالي الشافعي (ت / ٥٠٥ ه) (٣) ، وأحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت / ٦٤٨ ه) (٤).
ذلك لأنّ الإكراه يحصل بكل ما يُؤثر العاقل الإقدام عليه حذراً ممّا هدّد به ، مع اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص ، والأفعال المطلوبة ، والامور المخوّف بها.
__________________
(١) الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان / ابن نجيم : ٨٩.
(٢) فتاوى قاضيخان / الفرغاني الحنفي ٤٨٥ : ٣ مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.
(٣) إحياء علوم الدين / الغزالي ١٣٨ : ٣.
(٤) الفروق / القرافي ٢٣٦ : ٤ الفرق الرابع والستون والمائتان.