الندامة بهم كما حلّت بمن سبقهم ، بقتلهم الأنبياء عليهمالسلام ، ولو لم يكن صادقاً فلن يضرهم ، لأنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذّاب.
وأيّ كان الصحيح من القولين ، فإن الرجل المؤمن كان قد كتم إيمانه في صدرهِ على وجه التقية من قومه حفظاً على نفسه من بطش فرعون وأعوانه.
والقرآن الكريم لم يصفه على تقيته هذه بأنّه كان مخادعاً منافقاً يظهر خلاف ما يعتقد ، وأنّه لا يُعرف صدقه من كذبه ، بل وصفه بأحبّ الأوصاف إليه تعالى ، وهي صفة الإيمان ، فهو مؤمن بنصّ القرآن الكريم ، بل هو من الصدّيقين على لسان المصطفى (ص) ، وكفى بذلك فخراً.
فقد أخرج علماء الحديث من أهل السُّنّة ، عن ابن عباس وغيره ، عن رسول الله (ص) أنّه قال : الصدِّيقون ثلاثة : «حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون الذي قال : (أتقتُلُون رجُلاً أن يقولَ ربِّي اللهُ) ، والثالث : علي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم» (١) ، وهذا ما عرفه المفسّرون كما سيأتي في كلماتهم.
قال ابن عطيّة الأندلسي المالكي (ت / ٥٤١ ه) نقلاً عن الجوهري : «وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسرّه ، فجعله الله تعالى في كتابه ، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر» (٢).
__________________
(١) أخرج الحديث المتّقي الهندي في كنز العمّال ٦٠١ : ١١ / ٣٢٨٩٧ ، ٣٢٨٩٨ ، عن ابن النجار ، عن ابن عبّاس. وعن أبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر عن ابن أبي ليلى. وذكره القرشي في مسند شمس الأخبار : ٩٨ ، وقال محمّد بن حسين الجلال في حاشية كشف الأستار : ٩٨ : وحسّنه السيوطي. وقد أخرج هذا الحديث أغلب المفسّرين من أهل السنّة في تفسيرهم للآية المتقدّمة.
(٢) المحرّر الوجيز / ابن عطيّة ١٣٢ : ١٤.