ثمّ أكّد أنّ قوله : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ) هو استنزال لهم ووعظ لهم من جهة ما هم عليه من شهوات ، مع التحذير من زوالها ، وبأُسلوب الناصح الشفيق لهم (١).
وقال القرطبي المالكي (ت / ٦٧١ ه) عن نصائح الرجل المؤمن ، وقوله لهم : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ما نصّه : «ولم يكن ذلك الشكّ منه في رسالته وصدقه ، ولكن تلطّفاً في الاستكفاف واستنزالاً عن الأذى» (٢) ، وهذا القول صريح بأنّ الرجل لم يُظهر إيمانه أمام فرعون ، وإلا فكيف يتّفق إظهار الإيمان مع رجاء التأثير عليهم في هذه النصائح المقرونة بالتلطّف في الاستكفاف والاستنزال عن الأذى؟
وقال عن قوله تعالى : (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) : «إنّ المكلّف إذا نوى الكفر بقلبه كان كافراً وإن لم يتلفّظ بلسانه ، وأمّا إذا نوى الإيمان بقلبه فلا يكون مؤمناً بحال حتّى يتلفّظ بلسانه ، ولا تمنعه التقية والخوف من أن يتلفّظ بلسانه فيما بينه وبين الله تعالى ، إنّما تمنعه التقية من أن يسمعه غيره ، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحّته من التكليف ، وإنّما يشترط سماع الغير له ، ليكفّ عن نفسه وماله» (٣).
وقال تاج الدين الحنفي (ت / ٧٤٩ ه) في قول المؤمن : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً) : «هذا استدراج إلى الاعتراف بالبيّنات بالدلائل على التوحيد ... ولمّا صرّح
__________________
(١) المحرّر الوجيز ١٣٤ : ١٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٣٠٧ : ١٥.
(٣) م. ن ٣٠٨ : ١٥.