نعلم أنّ بعض السّلاطين الظّلمة لو بحث عن أموال رعيّته ، وأراد معرفة أحوالهم ، ليغلبهم عليها ويسلبهم ، فاستدعى أهل بلدة وفيهم الكثرة الّتي تمنع من التواطؤ ، ثمّ سأل كلّ واحد منهم على انفراد عن حاله فطالبه بماله ، لكذّبه فيه ، ولما صدقه عنه ، ولامتنع من دلالته عليه وإرشاده إليه. وهو يعلم مكانه ويقف على مبلغه ، ولكان شحّ القوم بالمال وإشفاقهم عليه يقوم مقام التواطؤ والاتّفاق.
إلّا أنّه ليس يجوز ـ قياسا على ذلك ـ أن يخبروا بخبر واحد له صيغة واحدة ، من غير مواطأة ؛ لأنّ العادة تفرّق بين الأمرين لكذبه (١) ، وتوجب حاجة أحدهما إلى المواطأة ، واستغناء الآخر عنها.
وفي هذا كلام كثير قد أحكمه أصحابنا الإماميّة في مواضع ، وفرّقوا بين الكتمان والإخبار ، وما يحتاج من ذلك إلى تواطؤ وما لا يحتاج ، فلذلك اقتصرنا على هذه الجملة ، وهي كافية.
وليس لأحد أن يقول : إنّما جاز ما ذكرتموه في الجماعة الّتي يسألها (٢) السّلطان عن أموالها ، فتكتمها ، أو تدّعي فيها ما يعلم خلافه ؛ لأنّ كلّ واحد منهم يخبر عن ماله ، فإذا كذب في الخبر عنه فإنّما كذب في غير ما كذب الآخر فيه. ومخبرات أخبارهم مختلفة ، وإذا اختلفت جاز هذا فيها ، وفارقت الإخبار عن الشّيء الواحد وكتمانه.
وذلك أنّ هذا الاستدراك لا يغني في دفع كلامنا ؛ لأنّه كان يجب أيضا أن يدّعي كلّ واحد من الفصحاء في بعض الكلام أنّه معارضة للقرآن ، ويكون ما يدّعي الواحد منهم أنّه معارضة غير الّذي ادّعى الآخر ذلك فيه. ولا يمنع كثرتهم من هذه الدّعوى ؛ لأنّهم لم يخبروا عن شيء واحد.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والظاهر وجود اضطراب في هذا الموضع.
(٢) في الأصل : يسلبها ، وما أثبتناه هو المناسب للسياق.