«واحتجّ الذين ذهبوا إلى أنّ نظمه ـ يعني القرآن ـ ليس بمعجز ، إلّا أنّ الله تعالى أعجز عنه ، فإنّه لو لم يعجز عنه لكان مقدورا عليه ، بأنّه حروف قد جعل بعضها إلى جنب بعض ، وإذا كان الإنسان قادرا على أن يقول : «الحمد» ، فهو قادر على أن يقول : «لله» ، ثمّ كذلك القول في كلّ حرف. وإذا كان هكذا فالجميع مقدور عليه ، لو لا أنّ الله تعالى أعجز عنه».
هذا ، ولخطورة هذا الرأي من حيث آثاره وتبعاته وما يترتّب عليه من القول بأنّ نصّ القرآن لا يعدّ آية ومعجزة في جوهره وذاته ولا علما لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإنّما هو آية من جهة عارض خارجيّ عرض على المتحدّى به ، فسلبه القدرة على المعارضة جبرا ، بعد أن سلب اختياره وإرادته ، ولتباين المذاهب الاعتقاديّة بين المتكلّمين ؛ واجه القول بالصّرفة استنكارا واسعا منذ أن خرج إلى الأوساط العلميّة ببغداد في بدايات القرن الثالث الهجريّ ، فانبرى جماعة للردّ عليه ، والتّشهير به ، والطّعن بأدلّته ، وتسفيه قائليه ، واستمرّ الأمر على ذلك حتّى يومنا هذا. وسوف نشير لاحقا إلى أسماء ثلّة ممّن عارضوا هذا المذهب من المتكلمين والأدباء والمفسّرين والفقهاء ، من المتقدّمين والمتأخّرين.
ينسب إلى أبي إسحاق إبراهيم النظّام المتوفّى سنة بضع وعشرين ومائتين أنّه أوّل من قال بالصّرفة ، وأنّه مبتدع هذه الفكرة. وقد شاعت هذه النسبة إليه حتّى غدت من الأمور الثابتة في هذا الباب. ولكن من الصعب الاطمئنان إلى هذه النسبة ـ أو على أقلّ تقدير لتفاصيل مذهبه ـ لأنّ النسبة إليه جاءت من كتب مخالفيه من الأشاعرة والمجبرة والحشويّة الذين يحاولون الطعن في معارضيهم بأقوال تنافي أو تستلزم المنافاة للمعتقد العامّ عند عامّة المسلمين ، خاصّة إذا لاحظنا أنّه كان للنظّام رأي خاص ـ يخالف به المذاهب السنيّة والحشويّة ـ في شرعيّة خلافة