فساد قول من ذهب في إعجاز القرآن وقيام الحجّة به في الحال إلى الأخبار التي تضمّنها.
فإن قال : قد قلتم في صدر هذا الكلام : إنّ الإخبار عن الغيوب أحد وجوه إعجاز القرآن ، فعلى أيّ وجه يصحّ ذلك؟
قيل له : قد علمنا مبلغ ما يعرفه النّاس بتجاربهم وعاداتهم من أحكام الحوادث المستقبلة ، وأنّ ذلك لم يبلغ إلى أن يخبروا عن تفصيل ما يحدث على سبيل التّحديد والتّمييز ؛ لأنّ أكثر ما يعملونه من ذلك الجملة الّتي يرجعون فيها إلى العادة ، نحو علمهم بورود الحرّ والبرد في إبّانهما ، وطلوع الثّمار والزّروع في أوقاتهما.
والعلم بهذه الجملة لا يثمر العلم بالتّفصيل الّذي أوردناه ؛ لأنّا نحيط علما بأنّ أحدا من النّاس لا يمكنه أن (١) يخبر عن قوّة الحرّ والبرد في أيّام بعينها (٢). وتناقصه في أيّام بعينها. وحال الأيّام في العادة واحدة أو متقاربة في أنّها لا تقضي بخلاف بعضها لبعض في شدّة الحرّ ونقصانه ، فيقع مخبره وفقا لخبره.
وكذلك لا يجوز أن يخبر بعضنا بأنّ بعض ثمار السّنة المستقبلة سيفسد ويبطل ، وبعضها يزكو ويكثر على سبيل التّفصيل ، ويكون حال ما خبّر بصلاحه كحال ما خبّر بفساده في الحاجة إلى ما قد جرت العادة بصلاحه عليه من الحرّ والبرد والهواء والرّكود ، فيقع خبره صدقا.
وليس يجوز أن تكون صناعة النّجوم تكسب مثل هذا العلم ؛ لأنّ المستفاد بهذه الصناعة من أحكام الحوادث المستقبلة هو ما يجري مجرى الجمل دون التفصيل. ولهذا تجد أهلها يصيبون في ذلك في الأكثر ، وربّما أخطئوا ، كإخبارهم
__________________
(١) في الأصل : عن أن.
(٢) في الأصل : بعينه ، والمناسب ما أثبتناه.