منها ، حتّى لا يزيدوا في ذلك عليهم.
والآخر : (أنّ المؤمنين لم يخلّوا) (١) بالواجب عليهم.
فكلّ واحد من الأمرين لا سبيل لك إلى إثباته.
أمّا الوجه الآخر : فقد بيّنا ما فيه ، وقلنا : إنّ الإيمان لا يمنع من مواقعة المعاصي ، فكذلك هو غير مانع من الإخلال بالواجب ؛ لأنّ الإخلال بالواجب ضرب من المعاصي.
وأمّا الأوّل : فليس يمتنع أن يختصّ العلم بالفصاحة بالجيل الذين هم كافرون ؛ لأنّ العلم بالمهن والصّنائع قد يخصّ قبيلا دون قبيل وجيلا دون جيل ، وليس يجب في ذلك الشّمول والعموم. ألا ترى أنّ العلم بالفصاحة قد اختصّ به العرب دون العجم ، ثمّ قبائل من العرب دون قبائل ، ثمّ سكّان ديار مخصوصة دون غيرها ، وضروب من الصّنائع كثيرة قد اختصّ بعلمها قوم ، حتّى لم يتعدّهم ، لو شئنا عددناها؟
وإذا جاز هذا ، فما المانع من أن تكون الفصاحة ـ أو هذا الضرب منها ـ إنّما اختصّ به طوائف من الجنّ كافرون ، ولم يتّفق أن يكون في جملتهم مؤمن؟! وجواز ذلك كاف فيما أوردناه ؛ فقد صحّ ضعف التعلّق بهذه الطريقة من كلّ وجه.
وممّا قيل في الجواب عنه :
إنّه لو كان من فعل الجنّ أو في مقدورهم لوجب مع تحدّيهم به وتقريعهم بالعجز عنه أن يأنفوا ، فيظهروا أمثالا على سبيل المعارضة.
ولو جاز أن يمسكوا عن (٢) المعارضة ، وإظهار ما يدلّ على أنّه من فعلهم
__________________
(١) في الأصل : أنّهم لأخلّوا ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
(٢) في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه.