العادات فيها ، وكيفيّة التفاضل في صناعتها (١).
فنقول : لو كانت فضيلة القرآن في الفصاحة على سائر كلام العرب كفضيلة بعض الشّعراء على غيره ، أو لو كانت مرتبته في الفصاحة ممّا قد جرت به العادة بالبلوغ إليها ـ لكن باستعمال التكلّف الشديد والتعمّل الطويل ـ لوجب أن تواقف العرب على ذلك وتبين عنه ، وذلك إذا ادّعى من ذهب في إعجازه إلى النّظم أنّ جهة إعجازه بنظم غير مسبوق إليه.
يمكن أن يقال له : لو كان ما ظننته صحيحا لوقفت العرب على أنّ ذلك ليس بمعجز ، من حيث كانوا يعلمون من أنفسهم أنّهم قد سبقوا إلى ضروب من النّظوم كثيرة ، وأنّ حال بعض من سبق إلى بعض النّظوم لا يزيد على بعض في معنى السّبق.
وكلّ هذا إنّما أمكن الرّجوع فيه إلى هذه الطريقة ؛ لأنّه ممّا لا بدّ أن يقف عليه العرب ، ولأنّ مرجع غيرهم في العلم به إليهم ، فيجعل إمساكهم عن ذكره دليلا على أنّه لم يكن ، ويحيل (٢) عليهم بما لا بدّ (٣) أن يزيد حالهم فيه على حالنا ، وبما إن خفي علينا فلا بدّ أن يكون ظاهرا لهم.
وليس كلّ الشّبه تجري هذا المجرى ، ألا ترى أنّا إذا سئلنا ، فقيل :
لعلّ القرآن وإن كان من فعل الله تعالى ، فإنّه لا يدلّ على تصديق من ظهر على
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٢ : «وإنّما تحيل على العرب ، وتوجب أن يواقفوا عليه فيما يختصّ بالفصاحة ، وما يجوز فيها من التقدّم والتأخّر ، وجهات التفاضل ، وما أشبه ذلك ممّا المرجع فيه إليهم والمعوّل عليهم. فأمّا في الشبهات التي لا يخطر مثلها ببالهم ، ولا يهتدون إلى البحث عنها ، فلا معنى للحوالة عليهم بها».
(٢) وردت في الأصل : يحيل ـ غير منقوطة ـ والظاهر ما أثبتناه.
(٣) في الأصل : بالأبد ، وما أثبتناه مناسب للسياق.