يديه ؛ لأنّه غير ممتنع أن يكون الله تعالى فعله لا للتصديق ، بل للمحنة وتغليظ البلوى ، أو لوجه أخر من المصلحة.
أو قيل لنا على طريقتنا في الصّرفة : اعملوا على أنّ الله تعالى صرف عن معارضة القرآن ، من أين لكم أنّه فعل ذلك تصديقا للرسول صلىاللهعليهوآله؟
لم نفزع إلى أن نقول : الدّليل على أنّه لم يرد إلّا التّصديق أنّه لو احتمل خلافه لوقفت العرب على ذلك ، ولقالت كيت وكيت.
وكذلك لو سئلنا ، فقيل لنا :
ما أنكرتم أن يكون القرآن غير معجز ولا دالّ على التّصديق ؛ لأنّه من جنس مقدور البشر. والمعجز لا يكون إلّا بما ينفرد الله تعالى بالقدرة عليه. وبيّن أن يكون ممّا يقدر العباد على جنسه أنّ العرب لم تواقف عليه ، ولم تحتجّ به ، وأنّه لو كان بين الأمرين فرق في معنى الدّلالة لوجب أن تقع منها المواقفة ، بل كنّا نعدل في الجواب عن جميع هذه الشّبه إلى ذكر ما يبطلها ، من غير أن نحيل بذلك على غيرنا ، ولا يجري الكلّ مجرى واحد.
ثمّ يقال للمتعلّق بما حكيناه : أيجوز عندك أن يخطر لمن تأخّر من المتكلّمين أو لبعض مخالفي الملّة ، شبهة في القرآن لم تخطر للعرب؟
فإن قال : يجوز ذلك ولا يمتنع.
قيل له : فلعلّ هذه الشّبهة لم تخطر للعرب ، فلهذا لم يواقفوا عليها.
وإن قال : لا يجوز أن يخطر لأحد في هذا المعنى ما لم يخطر للعرب.
قيل له : ولم قلت ذلك؟ وكيف ظننت أنّ العرب لا بدّ أن تعرف كلّ شيء ، ويخطر ببالها دقيق هذا الباب وجليله؟!
وهذا يوجب أن يكون جميع ما زاده المتكلّمون على نفوسهم من الشّبه في القرآن وأجابوا عنه ، وكلّ ما استدركه بعضهم على بعض ، وفرّعوه على مذاهبهم ،