لنفسه ، وأنّه المتفرّد بنظمه ورصفه ، وسلّم إليه جميع النّاس في دعواه ، وأضافوا إليه ما أضافه إلى نفسه ، ولم يعثر في أمره على منازع ولا مخالف؟!
وإنّما تكون هذه المعارضة مشبهة للمعارضات لو كان النّبيّ صلىاللهعليهوآله مضيفا للكتاب إلى نفسه ، وذاكرا أنّه من فعله ، فيسقط قول من نفاه عنه وشكّ في إضافته إليه بمثل ما ذكر.
فأمّا والأمر على ما ذكرناه لكان هذا المعارض يقول :
إذا جاز أن يكون القرآن ـ الذي لم يدّعه من ظهر على يديه ، ولا أضافه إلى نفسه ـ فعلا لغيره ، فليجوّزنّ أن يكون ما ادّعاه الشّعراء والمصنّفون من شعرهم وكتبهم أضيف إليهم ولم يظهر إلّا من جهتهم ، فعلا لغيرهم؟! وليس يخفى بعد هذه المعارضة على هذا الوجه.
وبعد ، فمع التّجويز لوجود الجنّ وتمكينهم من التصرّف في ضروب العلوم والكلام ، [و] عدم ما يؤمن من إتيانهم في ذلك إلى حدّ مقطوع عليه ، لا بدّ من الشّكّ في جميع ما ذكر.
وكيف لا يشكّ فيه والشّعراء أنفسهم يدّعون أنّ لهم أصحابا من الجنّ يلقون الشّعر على ألسنتهم ، ويخطرونه بقلوبهم؟! وهذا حسّان بن ثابت يقول (١) :
ولي صاحب من بني الشّيصبان (٢) |
|
فطورا أقول ، وطورا هوه! |
وقصّة الفرزدق في قصيدته الفائيّة مشهورة ، وذلك أنّ الرّواية جاءت بأنّه كان جالسا في مسجد المدينة ، في جماعة فيهم كثير (٣) عزّة ، يتناشدون الأشعار ، حتّى
__________________
(١) ديوان حسّان بن ثابت / ٢٥٨.
(٢) الشيصبان : قبيلة من الجنّ.
(٣) هو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعيّ ، أبو صخر ، شاعر مشهور من أهل المدينة ،