طلع عليهم غلام ، فقال : أيّكم الفرزدق؟
فقال له بعض الحاضرين : أهكذا تقول لسيّد العرب وشاعرها؟
فقال : لو كان كذلك لم أقل له هذا! قال له الفرزدق : من أنت ، لا أمّ لك؟!
قال : رجل من الأنصار من بني النّجّار ، ثمّ أنا ابن أبي بكر بن حزم ، بلغني أنّك تقول إنّي أشعر العرب ، وقد قال صاحبنا حسّان شعرا ، فأردت أن أعرضه عليك ، وأؤجّلك فيه سنة ، فإن قلت مثله فأنت أشعر النّاس ، وإلّا فأنت كذّاب منتحل! ثمّ أنشده :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى |
|
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (١) |
إلى آخر القصيدة. وقال له : قد أجّلتك فيه حولا.
ثمّ انصرف الفرزدق مغضبا يسحب رداءه حتّى خرج من المسجد ، فعجب الحاضرون ممّا جرى. فلمّا كان من الغد أتاهم الفرزدق وهم مجتمعون في مكانهم ، فقال : ما فعل الأنصاريّ؟ فنالوا منه وشتموه ، يريدون بذلك أن تطيب نفس الفرزدق. فقال : قاتله الله! ما رميت بمثله ، ولا سمعت بمثل شعره!
ثمّ قال لهم : إنّي فارقتكم بالأمس فأتيت منزلي ، فأقبلت أصعّد وأصوّب في كلّ فنّ من الشّعر ، وكأنّي مفحم لم أقل شعرا قطّ ، حتّى إذا نادى المنادي الفجر (٢)
__________________
وأكثر إقامته كانت بمصر ، كان شاعر بني مروان يعظّمونه ويكرمونه. كان دميما قصيرا متيّما بحبّ عزّة بنت جميل ، مات بالمدينة سنة ١٠٥ ه.
(١) ديوان حسّان بن ثابت / ٢٢١. يفخر حسّان بهذا البيت وغيره من أبيات القصيدة بكرم قومه ونجدتهم. الجفنات : القصاع. الغرّ : البيض من كثرة الشحم الذي فيها ، وكثرته دليل على الكرم.
(٢) كذا في الأصل : وفي الأغاني ٩ / ٣٣٨ : بالفجر.