القلوب جملة.
ولا فرق في هذا التّعذّر بين ملك وجنّيّ وبشر ؛ لأنّه إنّما تعذّر علينا لكوننا قادرين بقدر ، فكلّ من شاركنا فيما به قدرنا لا بدّ أن يتعذّر عليه ذلك.
وليس يقدح (١) فيما ذكرناه ما يقوله البغداديّون من أنّ بعضنا يفعل في بعض العلوم. لأنّ مذهبهم هذا وإن كان واضح البطلان ، فإنّهم إنّما يقولون ذلك في العلوم التي يعتقدون أنّ لها أسبابا مخصوصة توجبها ، مثل العلوم بالمدركات. وليس للمعلوم بالفصاحة أسباب يشار إليها ، يدّعى أنّها توجبها. ولو ادّعي ذلك أيضا لم يمكن أن يدّعى أنّ أضداد العلوم بالفصاحة أو غيرها من سائر العلوم ، تقع موجبة عن أسباب من فعلنا. وهذا الموضع هو الذي يحتاج إليه.
فإذا صحّت هذه الجملة صحّ (٢) أنّ السّؤال غير متوجّه إلينا ؛ لأنّا اعتمدنا في المعجز على أمر لا يقدر عليه غير الله تعالى.
وقد كان بعض المعتزلة قال لي ، وقد سمع منّي الكلام في مسألة الجنّ وبيان لزومها لمن عدل عن الصّرفة : هذا الّذي تسلكه يبطل جميع المعجزات ؛ لأنّه لا شيء منها إلّا ويمكن أن يدّعى أنّ الجنّ صنعته (٣) ، فيجب أن تترك هذه الطريقة للبراهمة ، ولا تعتمدها وأنت تصحّح المعجزات!
فقلت له : كيف تظنّ مثل ذلك ، والمعجزات على ضربين :
أحدهما : يختصّ القديم تعالى بالقدرة عليه ، نحو إحياء الميّت ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وخلق الجسم ، وفعل القدر والعلوم المخصوصة.
وهذا الوجه ينقسم :
__________________
(١) في الأصل : يقدم ، والظاهر ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : وصحّ ، والمناسب ما أثبتناه.
(٣) قال المصنّف رحمهالله في الذخيرة / ٣٨٩ : «وممّا اعتمدوا عليه في دفع سؤال الجنّ أنّ هذا الطعن وإن قدح في إعجاز القرآن ، قدح في سائر المعجزات».