فمنه : ما وقوع قليله كاف في الدّلالة كوقوع كثيره ، نحو إحياء الميّت ، وإبراء الأكمه والأبرص ؛ لأنّ القليل منه والكثير لم تجر به العادة.
ومنه : ما يدلّ إذا وقع منه قدر مخصوص ـ كالقدر والعلوم ـ أو وقع منه تغيّر سبب ما ، العادة جارية بوقوعه ، لا يمكن أن يعترض فيه بالجنّ ، كما لا يمكن بالإنس ؛ لخروجه عن مقدور الجميع.
والضّرب الثّاني من الأوّلين : هو ما دخل جنسه تحت مقدور العباد.
وهذا الوجه إنّما يدلّ عندنا إذا علم أنّ القدر الواقع منه والوجه الّذي وقع عليه ممّا لا يتمكّن أحد من المحدثين منه ؛ فمتى لم يعلم ذلك لم يكن دالّا ، كما أنّه متى لم يعلم ـ عند خصومنا في الوجه أنّ الفعل ممّا لا يتمكّن البشر منه ـ لم يدلّ ، فنجري نحن اعتبار خروجه عن إمكان البشر (١).
وليس لك أن تقول : وكيف يمكنهم العلم بأنّه ليس في إمكان جميع المحدثين ، ولا سبيل لكم إلى ذلك؟!
وهذا يردّكم إلى أنّ الوجه الّذي تصحّ منه المعجزات واحد ، وهو ما يختصّ القديم تعالى بالقدرة عليه (٢).
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٩ : «إنّ المعجزات على ضربين :
ضرب يوصف القديم بالقدرة عليه ، نحو إحياء الميّت ، وإبراء الأكمه والأبرص ، واختراع الأجسام.
وهذا الوجه لا يمكن الاعتراض فيه بالجنّ والملائكة ؛ لخروجه عن مقدور كلّ محدث.
والضرب الثاني من المعجزات : ما دخل جنسه تحت مقدور البشر. وهذا الوجه إنّما يدلّ إذا علم أنّ القدر الواقع منه ، أو الوجه الذي وقع عليه ، لا يتمكّن أحد من المحدّثين منه. وإذا لا يعلم هذا فلا دليل فيه».
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٩ : «فإذا قيل : وما الطريق إلى العلم بأنّه ليس في إمكان جميع المحدثين؟».