وذلك أنّه ليس بمنكر أن يخبرنا الله تعالى على لسان بعض رسله ـ ممّن أيّده ببعض المعجزات الّتي يختصّ جلّ وعزّ بالقدرة عليها ـ بأنّ عادة الملائكة والجنّ مساوية لنا في كلّ الأفعال وفي بعضها ، وأنّ ما يتعذّر علينا من ذلك يتعذّر عليهم ؛ فمتى ظهر على يد مدّعي النّبوّة ـ بعد تقرّر هذا عندنا ـ فعل قد تقدّم علمنا بأنّ عادة الملائكة والجنّ فيه مساوية لعادتنا ، وتعذّر علينا على وجه يخرق عادتنا ، لحق ذلك بالمعجزات المتقدّمة ، ودلّ كدلالتها. فقد وضح بطلان ما ظننته علينا من فساد طريق المعجزات (١).
فقال : ولم أنكرت أن يكون الله تعالى قد أجرى عادة الجنّ بأن يحيي الموتى بينهم عند إدناء جسم له طبيعة مخصوصة منه ، وكذلك في الأكمه والأبرص ، كما أجرى عادتنا ـ عند كثير من المتكلّمين ـ بتحرّك الحديد عند قرب حجر المقناطيس منه وانجذابه إليه. وكما العادة بما يظهر من التأثيرات عند تناول الأدوية ، وإن كانت غير موجبة لها.
وإذا جوّزنا ذلك لم يجب لنا تصديق من ظهر على يده إحياء الميّت ؛ لأنّا لا نأمن أن يكون الجنّيّ نقل إليه ذلك الجسم الّذي قد أجرى الله عادة الجنّ بأن يحيي عنده الموتى وسلّمه إليه ، فتأتّى منه لأجله ما تعذّر علينا. ولا يجب على الله تعالى المنع من ذلك ، لمثل ما ذكرتموه في الاحتجاج على خصومكم.
ويكون هذا السؤال مساويا لما سألتم عنه من خالفكم لمّا قلتم لهم :
فلعلّ عادة الجنّ جارية بمثل فصاحة القرآن ، ولعلّ بعضهم نقل هذا الكلام إلى
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٩ : «قلنا : غير ممتنع أن يخبرنا الله تعالى ، على لسان رسول يؤيّده بمعجزة ، ويختصّ تعالى بالقدرة عليها ، ويعلمنا أنّ عادة الجنّ أو الملائكة مساوية لعادتنا ، وإنّما يتعذّر علينا ما يتعذّر عليهم ، فمتى ظهر أمر يخرق عادتنا علمنا أنّ ذلك معجز ، لعلمنا بمشاركة الملائكة والجنّ لنا».