من ظهر على يده ؛ لأنّ كون عادتهم جارية به ، ونقلهم له (١) على سبيل الاستفساد مقدور ، ومنعهم منه غير واجب ؛ فلا بدّ من أن ترجعوا إلى طريقتنا ، أو تدخلوا في جملة البراهمة ومبطلي النبوّات!
(٢) فقلت له : بين الأمرين فرق واضح لا يخفى على متأمّل ؛ لأنّ إجراء عادة الجنّ بإحياء الميّت عند تقريب بعض الأجسام منه ـ قياسا على حجر المقناطيس ـ غير منكر ، إلّا أنّ الجنّيّ إذا نقل ذلك الجسم إلينا ، وسلّمه إلى بعضنا لم يحسن من الله تعالى أن يحيي عنده الميّت ، إذا احتجّ به كذّاب ؛ لأنّه تعالى هو الخارق لعادتنا عند دعوة الكذّاب بما يجري مجرى التّصديق له ، وذلك قبيح لا يجوز عليه عزوجل!
ألا ترى أنّه لو أراد أن يخرق العادة عند دعوته لم يزد على ما فعله من إحياء الميّت بحسب دعواه ، ولا معتبر بأنّ عادة الجنّ جارية به ؛ لأنّها إن كانت جرت بذلك فعلى وجه لا نقف (٣) عليه ، لأنّ ما تجري به عاداتهم ـ أو لا تجري ـ غير داخل في عادتنا ، فلا بدّ من (٤) أن يكون إحياء الميّت فيما بيننا (٥) على الوجه الّذي ذكرناه خارقا لعادتنا ؛ لأنّها لم تجر بمثله.
وحكم كلّ عادة مقصور (٦) على أهلها ، ومختصّ بهم ، فغير ممتنع أن يكون ما
__________________
(١) في الأصل : وجائز نقلهم له ، وفيه اضطراب ظاهر.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ : «فإذا قيل : ما تنكرون من أن يكون الله تعالى أجرى عادة الجنّ أن يحيي الميّت عند إدناء أدنى جسم له صفة مخصوصة إليه ، كما أجرى العادة بحركة الحديد عند تقرّبه من الحجر المقناطيس. وإذا جوّزنا ذلك لم يكن في ظهور إحياء الميّت على يد مدّعي النبوّة دليل على صدقه ؛ لأنّا لا نأمن أن يكون الجنّي نقل إلينا ذلك الجسم الّذي أجرى الله تعالى عادة الجنّ أن يحيي الموتى عنده. وهذا طعن في جميع المعجزات».
(٣) في الأصل : لا يقف ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) في الأصل : في ، والظاهر ما أثبتناه.
(٥) كذا في الأصل : والظاهر : فيما بيّنّا.
(٦) في الأصل : مقصورة ، وما أثبتناه مناسب للسياق.