هو خارق لعادة بعضهم غير خارق لعادة بعض.
وليس يشبه هذا ما سألتم عنه في نقل القرآن ؛ لأنّ الجنّيّ إذا كانت عادته جارية بمثل فصاحة القرآن ونقله إلى أحد البشر ، فبنفس نقله قد خرق عادتنا ، من غير أن يكون لله تعالى في ذلك فعل يخالف ما أجرى به عادتنا.
والجنّيّ إذا نقل إلينا الجسم المختصّ بطبيعة ـ قد أجرى الله تعالى عادة الجنّ بإحياء الموتى عندها ـ فبنفس نقله للجسم لم يخرق عادتنا ، وإنّما الخارق لها من أحيى الميّت عند تقريب ذلك الجسم منه ، وفعل في عادتنا ما أجرى به عادة غيرنا.
فقد صار الفرق بين الموضعين هو الفرق بين أن يتولّى الله تعالى تصديق الكذّاب ، وبين أن لا يمنع من تصديقه ، وليس يخفى بعد ما بينهما (١).
فقال : هب أنّ الكلام مستقيم من هذا الوجه ، كيف يمكن الثّقة مع ما ذكرتموه في الجنّ بأنّ الميّت بعينه عاد حيّا ، وأنّ الجسم الّذي تدّعي أنّه مخترع في الحال كذلك ، دون أن يكون منقولا من موضع آخر؟ ونحن نعلم أنّ الجنّيّ مع خفاء
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٣٩٠ : «قلنا : إحياء الله تعالى الميّت عند تقريب هذا الجسم بيننا وفي عادتنا خرق منه تعالى لعادتنا بما يجري مجرى تصديق الكذّاب. وهذا لا يجوز عليه تعالى.
وليس إذا أجرى الله تعالى عادة الجنّ ، بأن يحيى ميّتا عند تقريب جسم إليه ، من حيث لا نعلم ذلك ولا نعرفه ، جاز أن يفعله في عادتنا ؛ لأنّه إذا فعله في عادتهم فلا وجه للقبح. وإذا نقض عادتنا فهو صدّق الكذّاب.
وليس هذا يجري مجرى نقل الكلام ، لأنّ الجنّي إذا نقل إلينا كلاما ما جرت عادتنا بمثل فصاحته ، فبنفس نقله قد خرق عادتنا ، وليس لله تعالى في ذلك فعل يخرق عادتنا. وإذا نقل الجسم المشار إليه ، فبنفس نقله الجسم لم يخرق عادتنا. وإنّما الخارق لها من إحياء الميّت عند تقريب الجسم منه. والفرق بين الأمرين غير خاف على المتأمّل».